البقيع في الأجندة البراغماتية

السيد ماجد السادة

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.

قال تعالى في كتابه الحكيم ﴿ وَعْدَ ٱللَّهِ لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ * ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ ٱلآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [(1)]

إن انتصارنا لقضية البقيع هو في حقيقته انتصار لحقوقنا ، فجعل مسألة البقيع في صلب مطالبنا هو ما يتوافق والسنن الإلهية الممكِّنة للنصر ونيل الحقوق  ، هذا ما أكده القرآن في قوله عز شأنه ﴿ وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [(2)] وهذا "قسم مع تأكيد بالغ" [(3)] وهو يعني "وعد من الله بأنه سينصر من ينصر دينه" [(4)] .

فمتى ما كافح الإنسان لنصرة رسالة السماء ونصرة كل ما جعله الله عنوانا وشعارا ومنارا للرسالة السماوية ، ومتى ما كان كل ذلك في أولويات نضاله فإن الله تعالى ضمن له التأييد وتكفل له بالنصر في كل ما يتعلق بحقوقه الأخرى التي تمس حياته ورفاهيته و ﴿ إِن يَنصُرْكُمُ ٱللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ [(5)] .

هذه الحقيقة تارة يذكرها القرآن على نحو الاشتراط ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [(6)] أي إذا أردتم نيل حقوقكم الاجتماعية والسياسية والثقافية وغيرها وأردتم نصر الله وتأييده لكم فيها فعليكم البدء بنصرة الله ودينه وشرائعه وأعلام دينه ، وتأتي في صدارة هذه الأعلام مشاهد أهل البيت عليهم السلام بأرض البقيع ، وتارة يأتي القرآن بهذه الحقيقة على نحو تأكيد التحقق لهذه السنة الإلهية قائلا ﴿ وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ   .

     إن المؤمنين بسنن الله تعالى والواثقين بآياته والغيورين على دينه هم الذين يجعلون قضية البقيع تتصدر أولويات أجندتهم المطلبية ، لإيمانهم بأن جعل إقامة الدين وشعائره في صدارة المطالب  هو الرهان الواقعي لاسترداد باقي حقوقنا المدنية والاجتماعية والسياسية وغيرها .

لا شك أن هذه المقولة سيهزأ بها بعض المتعلمنين الذين تلوثت رؤيتهم بمقولات ليبرالية أبعدتهم عن جوهر قيم دينهم الأصيلة ، فبعد أن كانت قضية البقيع عنوانا بارزا في حراكهم المطلبي ، إذا بنا وباسم الواقعية والبراغماتية نرى مسألة البقيع  في خطابهم قد أصبحت أمرا هامشيا بل ثقلا لا يمكن لشيعة المنطقة أن يتحملوا المطالبة به ، بل إن المناداة به ضرب من المثالية ، هذا هو منطقهم وخطابهم ، منطق وخطاب اليائسين البائسين .

إن ما يميز الرؤية القرآنية عن الرؤية الليبرالية في الحراك المطلبي هو في الإيمان بالسنن الإلهية ، فالمؤمنون يجعلون في مقدمة وأولويات حراكهم إقامة الدين وشعائره لأنهم ينظرون بعين الله وعين السنن الإلهية حيث ﴿ وَعْدَ ٱللَّهِ لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ   هذه السنن التي لا يقدر أولئك البراغماتيون أن يفقهوها وذلك لأنهم ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ ٱلآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ   .

[(1)]6،7 / الروم
[(2)]40/الحج
[(3)] تفسير الميزان للطباطبائي
[(4)] مجمع البيان للطبرسي
[(5)] 160/آل عمران
[(6)] 7/محمد