النقد من حق الجميع

الأستاذ / ياسر محمد

تتعدد أساليب النقد وأدواته وتختلف من شريحة إلى أخرى، ولكن جميعها ترى في نقدها وسيلة لإيصال الصوت للجهة الأخرى المنافسة، المحتكرة أو صاحبة الأداء المتميز أو الضعيف على حد سواء بغرض معالجة نقاط بعينها.
ويرى الأفراد والجماعات أن ممارسة العملية النقدية بأي شكل كانت حق واجب ممارسته لأي مشروع طرح أجندته على الساحة، فليس من العقل أن يتصدى الساسة والناشطون والعلماء إلى مجتمعاتهم ببرامجهم الخاصة أو المشتركة دون الحصول على إشارات تقف أمام أدبيات المشروعات التي يعملون في إطارها، وإلا لن تخضع للتقييم العام ومعالجة مواطن الضعف التي لا يراها بشكلها الواقعي من هو داخل الدائرة العملية والداعي لها. وهذه ممارسة من حق الجميع القيام بها مها كانت مستوياتهم ومراتبهم الاجتماعية حتى وإن ارتأى من يمارس النقد تجاههم رفضها وعدم الأخذ بها، وهذا حق آخر لهذه الجهة.

فالمجتمع بشرائحه متعددة الآراء يمثلون العملية المخبرية التي من خلالها يقرأ الواقع وردات الفعل، إذ قد تكون ردات فعل تدميرية في بعض الأحيان – وإن شذت- تجهض الطاقات وتحطم أداءها وتقف عقبة كئود أمام نشاطها، إلا أن الكثير منها تعبر عن رأي الشارع الحقيقي الذي لسبب أو آخر لم يتقبل ما يدور حوله إما لنقص في الرؤية أو لعدم تأهيله من قبل أرباب الفكرة ليكون شريك الرأي منذ الخطوات الأولى للمشروع، أو أن يكون المشروع بالفعل يحمل من الأخطاء ومكامن الضعف ما يدعو للتوقف عنده ودراسته من خلال ذلك الجمهور الذي عبر عن رأيه.

كما أن موقعية المؤسسين للمشاريع والأفكار قد تكون عاملاً آخر في تقبل الناس أو رفضهم، فلابد أن يكون الشخص المناسب في المكان المناسب كما يقولون. وغالباً ما يقبل المجتمع الأقوياء بما يتسنمون من مراكز ومراتب شرفية وعملية عليا، ولكنهم لا يتقبلون أن ينحدر المتميزون من المراتب العليا إلى مراتب لا تليق بهم في مرحلة من مراحل السيرة العملية.
 
إن الساحة الاجتماعية تحتاج لعملية توعوية وتأهيلية لممارسة النقد والتفكير فيما هو قائم في محيطها، فالكثير من الآراء التي تطرح لم تكن تلقى ردود الأفعال والنقد اللاذع لو سبقتها عملية إرشادية - تعريفية واضحة بخطوات أي مشروع الآنية منها والمستقبلية، المنتقلة من خطة عمل لأخرى يكون الجميع شركاء فيها لا أن يجد الشارع نفسه مقحماً في غمارها؛ ليكون النصف الآخر في تحقيق النجاح بحيث لا يصبح مجرد متلقي أو صامت فيما يدور حوله.
فما أضيق الصدور عندما يمارس النقد تجاهنا ونتهم بعضنا البعض بأن الآخر ليس صاحب رؤية خلاقة وليس لديه مشروع بديل حتى ينتقد مشروع قائم ! ولو سلمنا بأن كل صاحب نقد لا مشروع لديه سوى «هدره مقدرة» و«بربرة فاضية» كما يتردد، فما المانع أن يصحح بهذه «الهدرة» و«البربرة» من حالة قائمة في جزئيات يرى خطأها وبالتالي تقوية المشروع محل المعالجة وتقبله وربما الدعوة إليه فيكون مشروعاً له وشريكاً فاعلاً فيه.

فالنقد المتعدد حالة إيجابية وقوة لأي مشروع لتلافي العثرات فيه والالتفات لمواضع القوة وتبادل الرؤى والأفكار ودراسة النقاط المثارة التي من الأهمية بمكان إيصالها للمعنيين مسئولين كانوا أو ناشطين مستقلين بمختلف الوسائط والسبل، لا التعتيم عليها وإيصال الصورة المنقوصة منها.
 
ولا يمنع الإصغاء ومتابعة مختلف الآراء الناقدة والأخذ بالأكثرية في بناء رأي واستراتيجيات جديدة أو تصحيح ما يُعتقد أنه الرأي الحصيف والحالة الأنسب لمجتمع برمته.
 
ومن هنا، علينا أن نأخذ كل ممارسة نقدية على أنها حالة نضج ووعي في المجتمع الذي لم يعد يقبل الأمور ببساطة متناهية أو يقف مكتوف اليدين عندما يهمش دوره في القضايا التي تمس شأنه العام، بل أصبح يناقش ويقترح ويطالب ويدعي ويساند و ويرفض مستخدماً كافة الأدوات الحقوقية التي تعطي القوة لمن تمارس تجاهه إن عمل على تقبلها ومحاولة فهمها والاستفادة منها، لا مجرد سماعها دون أي ترجمة حقيقية لمعالجتها عملياً.