لماذا نجح مسلسل خيوط المعازيب؟

الإجابة على السؤال أعلاه تحتاج لدراسية نقدية متخصصة وموضوعية، خاصة أن هذا العمل الفني الدرامي قد حظي بنسبة مشاهدة مليونية، ليس في السعودية فقط، بل وفي دول الخليج والوطن العربي. كُتبت الكثير من الآراء والمقالات والانطباعات حول ”خيوط المعازيب“ والتي نسجت حالة مثيرة ومذهلة من الحب والمتابعة والشغف للمشاهدين بمختلف أعمارهم ومستوياتهم، وهذا ما لم يتحقق كثيراً في مسيرة الدراما السعودية التي تعيش طفرة فنية لا مثيل لها على امتداد الوطن العربي.

بالنسبة لي، أجلت الكتابة عن هذا المسلسل السعودي بنكهته الحساوية المحببة، حتى مشاهدة كل حلقاته واللقاء والحديث ببعض صنّاعه وممثليه، خاصة مؤلفه الكاتب حسن العبدي والنجمين إبراهيم الحساوي وسعيد قريش، إضافة إلى نجومه الواعدين.

لماذا نجح هذا المسلسل الرمضاني الجميل بهذا الشكل الكبير، لدرجة أدهشت حتى صنّاعه وكل طواقمه الكتابية والإخراجية والتمثيلية والتي كانت تُراهن على نجاحه ولكن ليس بهذا النجاح الهائل وغير المسبوق لعمل فني درامي سعودي، ليُصنّفه الكثير من النقّاد والمهتمين، بل وحتى المشاهدين الآخرين بمختلف ثقافتهم الفنية، الأهم والأكثر متابعة في تاريخ الدراما السعودية، إذ لا حديث في البيوت ووسائل التواصل الاجتماعي والإعلام إلا عن هذا ”المعزب بو عيسى“ وخيزرانته وظلمه وخفة دمه، وعن ”جاسم“ المثقف الذي تضيع منه ”بدرية“ وكذلك ابنه ”فرحان“، وعن ”بو أحمد“ الذي يُمارس الهروب كلما أتيحت له فرصة، وعن معتوق الذي يعشق ”الشاي المنعنع“ وعن ”جواد“ وصوته الجميل، وعن كل تلك الحكايات البسيطة التي تسكن البيوت الطينية، وعن الجروح التي تُحيك البشوت.

يبدو أن أسرار/ أسباب نجاح مسلسل خيوط العنكبوت، كثيرة ومثيرة، وكنت أظن، وهنا كل الظن إثم، بأنني سأكتبها بشكل سريع ومقنع، ولكنها كما يبدو قد تاهت في زحمة الحكايات والأمنيات والآهات والضحكات التي ”تشبه بيوت العنكبوت“.

هل كان السر في المكان بلهجته الحنونة وأزيائه الجميلة وحكاياته الدافئة، أو في مرارة وظلم الطبقية التي صنّفت البشر إلى ”معازيب“ وعمال وفلاحين ووصمة ”بنت الهندية“، أو تناول الخرافات والأساطير وثقافة العيب والحرام، ونعت المغني بالحمار، أو في إبراز الوجه المتسامح لقيمة التنوع الثقافي والمذهبي في البلدة الواحدة أو حالة التكامل والانسجام بين الأجيال الفنية الكبيرة والصغيرة، أو مشهد البدايات العفوية والمتأنية لنهضة وطن؟

نعم، كشف أسرار وأسباب نجاح مسلسل خيوط المعازيب، مسألة في غاية الأهمية، لكي نعرف الوصفة الحقيقية للنجاح في الأعمال الدرامية القادمة، ولكن الأهم من كل ذلك: هو حالة الثقة الكبيرة التي صنعها هذا العمل السعودي الأيقوني لكل صنّاع الفن في وطننا، بل لكل مواطن في هذا الوطن الجميل، والتي تؤكد بما لا يدعو للشك بأننا نملك الرغبة والقدرة والكفاءة لصنع دراما سعودية مميزة ومحترمة نتباهى بها في كل العالم، بل وتكون قوى ناعمة حقيقية نفخر بها.

”خيوط المعازيب“ نسج بكل إتقان وحرفية، قيمة وتأثير الفن، خاصة الدراما التي يعشقها الكل، وسوف يكون علامة فارقة في مسيرة الدراما السعودية التي تخطو بثبات لتكون مدرسة فنية تملك أدواتها ومقوماتها وتميزها.

كاتب مهتم بالشأن السياسي والاجتماعي والوطني