عش رجباً ترَ عجباً

عش رجباً ترَ عجباً» هو مثل كان يضرب أيام الجاهلية. ولهذا المثل قصتان لا أعلم حقيقةً أيهما أصح، حيث قيل إن الناس كانوا يرفعون مظالمهم ويؤخرون دعواتهم على الظالم إلى شهر رجب، كونه من الأشهر الحرم وشهراً معظماً لديهم، ثم يأتون للكعبة ويدعون الله فلا تتأخر عقوبة الظالم، أما القصة الأخرى فقيل بعد أن كَبِرَ الحارث بن عُبَاد وبلغ من العمر عتياً، طلق إحدى زوجاته كونها كرهت العيش معه، وأحبت رجلاً آخر وتزوجته، فكانت تُظْهر له من الوَجْدِ والحب ما لم تكن تظهره للحارث، فلما التقى زوجُها بالحارث أخبره بمنزلته لديها، فَقَال الحارث: عِشْ رَجَباً تَرَ عَجَباً، أي عش رجباً بعد رجب، أي عاماً بعد عام، ستشهد تَغَيُّرَ الأخلاق وتَبَدُّلَ الأحوال. ثم صار ذلك مثلاً يضرب في تبدل الدهر وتقلبه وكثرة عجائبه.

- وها نحن نعيش رجباً بكل غرائبه وعجائبه حيث أصبح زمننا زمن العجائب، في زمننا أصبح الخمر مشروباً روحيّاً منعشاً والقمار حظّاً. صارت المخدرات مثل الدواء وأصبح أكل الطعام الحرام أمراً عاديّاً خصوصاً إذاً كان في أفخم مطاعم العالم، أصبح لحم الخنزير والذبائح الموصولة الرأس حلال فقط لأنه كتب عليها كلمة حلال. صارت إهانة المقدسات حرية شخصية والالتزام بالتعاليم الإسلامية تخلفاً وأصبح سب الدين والرب قوة شخصية. تحولت العائلة لمجموعة من الأطفال متبنين من مختلف بقاع العالم بعضهم بملامح أفريقية، أسيوية أو غربية، وأطلقوا عليهم إخوة وأخوات، أما الأب والأم فأصبحا زوجين من الرجال أو زوجين من النساء. أصبحنا نرى زوجة تنجب من زوجها الغني مئة طفل عن طريق استئجار الأرحام كي لا تدمر جسدها الرشيق! أصبحت الميول الجنسية الشاذة، فطرة بشرية وأصبح الشواذ لهم حقوق يطالبون بها ويطالبون برضوخ جميع العالم لتلك المطالب.

- صار ممثلو الأفلام الإباحية يحاضرون في أرقى الجامعات ويكرمون لتعليمهم الناس الأخلاق وأساليب الحياة الصحيحة. أصبح الزنا حبّاً والاسراف كرماً والتبذير جوداً. تركنا الحياة الحقيقية وأصبحت حياتنا الاجتماعية، زياراتنا، تهانينا، احتفالاتنا، تعازينا، اجتماعاتنا وحتى زواجاتنا جميعها افتراضية على مواقع التواصل الاجتماعية! أصبحت النساء هن اللاتي يعملن ويكدحن ليصرفن على عوائلهن وجلس الرجال في المنازل. رأينا الطاعنين في السن يتزوجون الأطفال والمراهقين عن حب. تغيرت المسلسلات والأفلام من كونها هادفة، تعليمية وتربوية إلى أفلام ومسلسلات تشجع على مختلف أنواع الهبوط والانحلال الاخلاقي أو إلى عرض لأدق تفاصيل الحياة الشخصية لأشخاص يلهثون وراء الشهرة.

- صار الأخوة يتصارعون على الإرث ويخططون لسرقة ميراث بعضهم البعض قبل دفن فقيدهم. صرنا نجمع الملايين لعتق رقبة قاتل ونبني أكبر وأفخم المساجد التي لا يصلي فيها أحد لنتباهى بها ونسينا الفقراء، واليتامى والمحتاجين. أصبحنا في زمن يسرقك السارق ويشتكي أنك من سرقه.

- أصبح الخداع فهلوة، والخبث ذكاء والقذارة شطارة. عشنا رجب وراء رجب ورأينا وما زلنا نرى أعجب العجب!

كاتبة صحفية