أقصر الطرق لـ !

 

من أنجح الوسائل في حل المشكلات هو التعامل مع جذورها دون الاكتفاء بالمعالجة الظاهرية المؤدية لظهور مشاكل أخرى متفرعة من التحليل الخاطئ للمشكلة مما يؤدي لمعالجتها بالوصفة الخاطئة ، وكثيرٌ من مشاكل المجتمع عوينت ظاهرياً فقط و طُرحت علاجاتها بالصورة السطحية مما أدى إلى تفاقمها ، لذا فإن إيجاد الحل الناجع يُلزم بإيجاد الحلول الجذرية للمشاكل التي باتت مستعصية !

و أحد هذه المشاكل الأخلاقية في المجتمع هي مشكلة التحرش وما يترتب عليه من جرائم أخلاقية (زنا –اختطاف –اغتصاب).

وحيثُ أن المجتمع عاين هذه الظواهر بالصورة الفردانية النادرة لم يعرها بالاً حتى تضخمت وتعملقت وكادت أن تأخذ في دوامتها الكثير من أفراد المجتمع ؛ وما كانت الجرائم الحادثة مؤخراً إلا بمثابة زر التنبيه لتضخم هذا الأمر .

ولعلاج هذه المشكلة تم طرح الكثير من الآراء والأفكار حول مسببات هذا الأمر دون تلّمس الحقيقة الجوهرية وراءه .

واحدةً تفترض أن الأسباب تكمن وراء عدم الحرص و الحيطة ، و الأخرى وضعت الضحية المسئول الأول إن لم يكن الوحيد وراء الجريمة التي تعرضت لها !
هكذا تتلبس المفاهيم ويختل ميزان المعيار الدقيق عن قيمته فتصبح الضحية شريكة في الجرم بأحد الأسباب ( المُفترضة ) ، وكأن واحدنا الذي يُقيّم الأمور يصرُ على كونه ( القديس توما ) لا يؤمن بوجود الجرح حتى يضع إصبعه فيه !


ولنفرض جدلاً أن – الضحية – كانت أحد الأسباب المؤدية للجريمة لبساً وسلوكاً و إن كان في هذا الفرض الظلم الكثير الذي يأباه الضمير .. فالعذر حينها لا يمكن وصفه إلا بـ ( عذر زاد قبحه عن الذنب ).

يدعي البعض ويخفي ادعاءه وراء ستار الشباب المشحون المعبأ بالمناظر المهيجة في كل مكان
وليست جريمته إلا نتيجة حتمية لحالة الشحن – بالتفريغ – و أعود لأتساءل أليست عملية الشحن هذه هي أحد المحرمات التي يقوم بها الشاب طواعية ؟!


لقد ركز الشارع في تشريعه على القيمة الأولى وهي غضُ البصر ، وما هذا التشريع إلا صورة متكاملة لغض البصر دون الالتفات للحالة المنهي النظر إليها ؛ يقول تعالى (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) النور -  30فليس السبيل لحفظ الأعراض إلا غض البصر عن المحرمات كافةً ، تطهيراً للذات وصيانةً للمجتمع أما ضد الغض فيستلزم النتيجة الحتمية : الاعتداء بكافة أنماطه .

و إذا بقينا في افتراضنا – جدلاً – وتجاوزاً عن فكرة غض البصر و واجهنا فكرة الشباب ( المشحون بالمناظر الجنسية طيلة الليل ) هل يجعلنا هذا أمام نتيجة مُلزمة مفادها ( إيجاد العذر ) للشباب المسكين أمام المرأة " بافتراض تبرجها أيضاً " للاعتداء عليها ؟
نحنُ إذا في هذه الحالة نؤمن بأن المحرك الرئيسي لتصرفاته : الشهوة و إلغاء وجود العقل الضابط لتصرفات الإنسان والحاكم عليه . أو ليس الإيمان بمحورية العقل فينا أحد البديهيات التي لا جدال فيها ؟!


فالعقل أولاً و أخيراً هو المسؤول الرئيس بمنطقه المُدير لفكر الإنسان وسلوكه ، وحيثُ أن " لا حتميات على فكر الإنسان ما دام هذا الفكر يتمتع بنور العقل "- السيد محمد تقي المدرسي   ، هذا يجعل الافتراض المذكور يتهاوى بالقدر الذي يجعله متضائلاً عن كونه أحد الأسباب الرئيسة .

ومن الجدير بالذكر ما يذكره علماء النفس من وجودٍ ( للعتبة الفارغة )المسؤولة عن الإثارة داخل كل إنسان تزداد مساحتها كلما تكررت المشاهد الجنسية وكلما ارتفعت مساحتها تعرض الإنسان لحالة من عدم التأثر وضعف الإثارة !
وليس من نافل القول أن الحجاب بمقوماته ضرورة لصيانة المرأة لكن عدمه لا يؤدي بالضرورة لكونه المشجب الذي يتم تعليق جرائم الآخرين عليه .

وما عفة المرأة إلا نتاج لعفة الرجل ( عفوا تعف نساؤكم ) – الإمام علي   .
و إن جانبنا كل هذا و رجحت كفة " المشجب " الذي نُعلق عليه فظاعة الجُرم، فلن نعدو أن نقف أمام مفهوم أشدُ ترسيخاً هو الرادع الأخلاقي الذي ينحسر أمام الأهواء الذاتية ، فهو غائبٌ مغيب دون افتقاد ! بالخصوص في قضايا يعاملها المجتمع بالتعتيم تحت مختلف الأسباب .

ولعل غياب التوعية الممنهجة في شأنٍ هام في ظلٍ التقدم العلمي وسباق التكنولوجيا بين الزبد و ما ينفع الناس ، وامتلاء تلك الوسائل بـ " الغث " المُزري بالمعرفة أحد الأسباب المؤدية لتضخم هذه المشكلة وتركها في ازدياد ، ففي غياب العلم يصبح الجهل سيد الأمور .

فإذا خرجنا من حالة الاحتكام للذات والمجتمع دون رادع فإن في القانون ودستوره ضرورة مُلحة في تنظيم شؤون الناس ورعاية مصالحهم ؛ وغياب القانون الصارم في مواجهة الجريمة أحد أسباب انتشارها .

لكل ذاك ، ولأمور أخرى لعلها غابت عن الذهن ، سنجد أنفسنا في مواجهة أقصر الطرق لـ انتشار الجرائم !