السيد القزويني.. دور توعوي متميز


لعبت الصحوة الإسلامية دوراً مؤثراً في صياغة مشروع إسلامي متكامل وتربية جيل من المجتمع على الصعيدين الفكري والعملي، حيث انبرى مجموعة من المصلحين للتغيير وقاموا ببرمجة الطموحات وترجمتها بعناية فائقة من خلال متسلسلة الأفكار والمشاريع الطموحة التي تبني الفرد والمجتمع.

فكان لأفراد المجتمع دور إلى جانب دور العلماء، إذ عمِل كلٌ بطاقته وتصوراته، ولكنهم في الأخير مجمعين على هدف واحد وهو بناء أمة بأفراد صالحين يقومون بأدوار إصلاحية كبرى. ومن حق الأجيال القادمة علينا معرفة التجارب المؤثرة في مرحلة صعبة من التاريخ لتكون دافعاً لهم في العمل والانطلاق في الحياة العامة وبالأخص في العمل الاجتماعي في وقت كانت فيه تلك التجارب تعيش الصعوبات المادية والتنفيذية ما يمثل عقبة كؤود في انطلاق المشاريع وانتشارها وتأثيرها، وبالرغم من كل ذلك استطاع دعاة التغيير من التأسيس لمشاريع على أرض الواقع واستمروا بعطائهم وعزمهم إلى وقتنا الحاضر ومنهم من رحل وخلف أجيالاً تقود المسيرة وتبتكر الجديد.  السيد القزويني.. دور توعوي متميز

إن أحد التجارب الزاخرة بالعطاء والحيوية في عصرنا والتي لم يحدها تقدم العمر وتراجع الصحة هو آية الله السيد مرتضى القزويني (1930م- ...) الذي أسس للعديد من المشاريع والمؤسسات على أرض الواقع وقام بدور فكري مستمر حتى يومنا هذا، وما يهمنا في هذه الومضات هو الوقوف على الدور الثقافي والتوعوي الذي تبناه منذ صباه لتكون لنا إطلالة أخرى حول مشاريعه العملية على أرض الواقع فيما بعد.

فقد كانت انطلاقة القزويني الأولى من خلال المنبر الحسيني وعمره آنذاك اثنا عشر عاماً، حيث كان يرتقي المنبر ويخطب في الناس في كربلاء المقدسة إلى أن ذاع صيته في العراق والخليج وإيران وأمريكا واستراليا وغيرها. كما كان له منبر حسيني في القطيف لسنين خلت توقف مع بداية أحداث عام 1400 هـ وتتابعاتها. ولم يكن القزويني خطيب طبقة عمرية من الناس، بل جعل من نفسه خطيباً لكل الشرائح، فذات مرة في أحد المجالس الحسينية في مدينة صفوى طلب من كبار السن السماح للأطفال بالحضور تحت منبره وذلك على إثر عادة عرفية كانت منتشرة بين الناس لا تسمح للأطفال بدخول أماكن الذكر والعبادة تجنباً لأي ازعاج محتمل، فتبرم السيد القزويني من الموقف وطلب منهم إدخال الصغار وإلا لن يقرأ مرة أخرى عندهم قائلاً: أتيت من العراق لتعليم الصغار قبل الكبار.

ولم يقتصر دور آية الله القزويني على الجانب الشعبي، بل وقف في وجه السياسات الاستعمارية والغزو الفكري بكل جرأة، حيث تصدى - كواحد من العلماء المؤثرين - للفكر الشيوعي في بداياته على عهد رئيس الوزراء العراقي عبد الكريم قاسم الذي انتشرت فيه الشيوعية بشكل كبير وأتيح لها التوسع من خلال تغلغل أنصارها في مختلف ميادين الحياة. فكانت له دعوات صريحة لمواجهة الشيوعية والتصدي لها بكل الوسائل والتحذير من الشيوعيين ومطامعهم دخل على إثرها السجن مرات عدة، وكان كل من المرجعين السيد محمد الشيرازي والسيد محسن الحكيم من أوائل من وقفوا بصراحة ضد الشيوعيين وفضح أهدافهم ووسائلهم لغسل أدمغة الشباب وتمييعهم، فالأول له مباحثات منشورة مع الشيوعيين والآخر كان له مقولة بأن الشيوعية كفر وإلحاد، وكثيراً ما كان القزويني يرددها في المحافل العامة.

كما لعب القزويني دوراً فكرياً وسياسياً توعوياً ضد حزب البعث داخل العراق انتهى دوره المباشر داخلياً بإصدار البعث حكماً غيابياً بإعدامه، هاجر على إثرها إلى الكويت وبقي فيها قرابة الثمان. وقد كان فيها ملازماً للمرجع الإمام الشيرازي الراحل في حركته الدينية والاجتماعية وإماماً للجماعة في مسجد القلاف في ميدان حولي إضافة     لدوره الخطابي كخطيباً في عدد من حسينيات الكويت يقرأ في بعضها باللغتين العربية والفارسية. وعُرف عن القزويني شجاعته وقوته في طرح المواضيع السياسية، فكان أول خطيب يعلن من على المنبر في الكويت تأييده للثورة الإسلامية في إيران عند بزوغها بقيادة الإمام الخميني والتي انتقل لها بعد الكويت حيث أصبح فيها قاضياً ومدرساً في حوزة مدينة قم المقدسة ومنها إلى أمريكا إلى حين سقوط حكم البعث عام 2003.

ففي الولايات المتحدة الأمريكية أشرف على إدارة مسجد أمير المؤمنين في سان دييغو بولاية كاليفورنيا (8000 متر مربع) ومدرسة الإمام الصادق في لوس أنجلوس (7600 متر مربع) الذين أوقفهما المرجع الراحل الميرزا حسن الاحقاقي وسُلمت مسؤولية إدارتهما للقزويني إضافة لتأسيسه عدد من المساجد والمراكز الإسلامية أبرزها المركز الثقافي الإسلامي في لوس أنجلس والذي أداره فيما بعد نجله السيد مصطفى الذي يقدم برامج فضائية في الغرب موجهة لغير المسلمين وإنشاء مدرسة مدينة العلم.

وتجتمع في المركز مختلف الطوائف الإسلامية ويقصد بعض أنشطته وندواته المشتركة أبناء الديانة المسيحية. وكان القزويني الأب يقيم الصلوات والندوات العامة لفئة الشباب والدروس والمسائل الدينية والاجتماعية ويقدم مختلف الاستشارات والتوجيهات الأسرية ويلقي المحاضرات للمغتربين في الولايات المختلفة باللغتين العربية والفارسية مضافاً إلى عمله كموجه ديني في بعض المدارس الإسلامية في أمريكا.

وبتوجيه من السيد مرتضى القزويني أٌسست مراكز أخرى في الولايات المتحدة وأُديرت أخرى من قبل أبنائه في لوس أنجلوس وسان دييغو و ديترويت كانت أنشطتها محل احترام وتقدير الحكومة الأمريكية في الوقت الذي كان ينظر للإسلام أنه دين التطرف والإرهاب خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فكان لكبار مسئولي الحكومة زيارات عديدة منها زيارة لوزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت عام 2006 للمركز الإسلامي في ديترويت والتعرف على أنشطته. كل هذا وغيره بحق يستدعي التوقف عنده للاستفادة من تجربة رجل واحد كان شعلة مفعمة بالنشاط استطاع من ذلك تأسيس وإدارة هذا الكم من المشاريع في بلاد المهجر في الوقت الذي كانت فيه المراكز والمبلغين في فترة الثمانيات قليلة جداً ناهيك عن نشاطه التبليغي والرسالي آنف الذكر (1).

وبعد سقوط النظام البعثي في العراق، عاد إلى مسقط رأسه وأسس عدد من المشاريع والمؤسسات الخدمية الخيرية في مدينة كربلاء المقدسة (2). واتخذ القزويني مهمة تثقيف الناس بنفسه بخطاب سهل ممتنع رغم تقدم العمر به واستهدافه من قبل القوى الظلامية كما حدث أكثر من مرة، فقام بدور ثقافي – ديني من خلال التفسير الميسر للقرآن الكريم في الصحن الحسيني وربطه بالمواضيع الحيوية والأحداث الفكرية والسياسية المعاصرة والتي نأمل وبجهود المختصين أن تحول إلى مجلدات مكتوبة في التفسير المبسط.السيد القزويني.. دور توعوي متميز

كما أسس لرعاية أيتام شهداء وضحايا العمليات الإرهابية برامج تربوية ترعى اليتيم وتقدم له التعليم والتثقيف المناسب بطرق أكاديمية حديثة يمازج فيها بين علوم الدين والحياة والعلوم المدرسية المعاصرة.

فالحديث حول التجارب المعاصرة هو رسالة لنا جميعاً - ولا أستثني نفسي – في ضرورة اقتفاء آثار التجربة وعوامل النجاح والضعف فيها والأسباب التي جعلتها تؤتي أوكلها بإذن ربها. فأي تجربة فرصة لنا لتتبع مسيرتها وركائز النجاح مع كل ما أحاطها من معوقات وصعوبات كبيرة لتكون وقوداً لنا وشمعة نحو طريق البحث والتطبيق.

فمتى ما استطعنا الاستفادة من مختلف التجارب خاصة التي تتشابه في مضمونها ومحتواها مع ما نعمل لأجله ومتى ما استطعنا أخذ الإضاءات الإيجابية منها، فإننا سنتمكن من الانطلاق والاستمرار بتخطي مراحل بعيدة من العمل نصل بعدها إلى مستوى راقي على الصعيدين الاجتماعي والديني في مجتمعنا وحول العالم لتحقيق الأممية والعالمية.

1. مصادر بعض المعلومات: لقاء مع السيد مرتضى القزويني مع مؤسسة الرسول الأعظم ، شبكة الإحقاقي الثقافية، الموقع الإنجليزي للسيد القزويني، لقاء له مع صحيفة الوطن الكويتية بتاريخ 2010/03/19، بعض ممن عاشوا فترات زمنية مع السيد القزويني.
2. سنتحدث عنها في المقال القادم بإذن الله.