لا أستطيع القراءة!

وجدت لديه ضالتي، فأخذت رقم هاتفه وأرسلت له رسالة نصية على الواتس اب، ثم انتظرته حتى يرد علي. وصلني الرد منه رسالة صوتية صدمتني، «أرسل صوت، أنا ما أعرف أقرأ»!! كان ذلك هو بائع طيور الزينة الذي وجدت لديه فصيلة طائر الببغاء التي كنت أبحث عنها. شاب في منتصف العشرينيات من عمره، كتبت له أستفسر عن طائر الببغاء المعروض للبيع لديه، وكان رده لي «أرسل صوت، أنا ما أعرف أقرأ؟» لا أعرف لماذا نزلت كلماته عليّ كالصاعقة.

ربما لأنني لا أتخيل أن نكون مواطنين في دولة عظيمة تقدم التعليم مجانا وتحث عليه، يعيشون في سنة 2022 وفي أزهى عصور التقدم والتكنولوجيا محليّاً وعالميّاً، حيث يتنافس البشر على التعليم والحصول على أكبر عدد ممكن من الشهادات، وما زال هنالك من لا يعرف القراءة. أنا لا أتحدث عن شخص متعلم لكنه لا يريد أن يقرأ طواعية لعدم رغبته، لكني أتحدث عن شخص لم يتعلم الحروف الأبجدية، وكما نقول باللهجة الدارجة: «لا يعرف كيف يفك الخط».

قصة ذلك الشاب جعلتني أعود بالزمن للوقت الذي كنت فيه في الرابعة أو الخامسة من عمري. كنت دائماً ما أتلقى قصص الأطفال كهدايا. سلسلة الليدي بق، السلسلة الخضراء، مجلة ماجد وغيرها. قصصٌ مليئة بالصور التي كانت تثير فضولي كطفلة. كنت أتوق لفهم تلك الأشكال المرسومة في قصصي. لم أكن قد تعلمت القراءة بعد، لكني كنت أحاول تخمين القصة أو نسج مجموعة من القصص في خيالي مستوحاة من الصور المرسومة. ساعد ذلك في اتساع أفق خيالي. كنت دائماً ما يتجمد جسدي في مكانه وتنتقل روحي لعالم الأحلام الخاص بي، أعيش فيه مع الطيور، الحيتان، الحيوانات، الأقزام والجنيات الصغيرة الطائرة بأجنحتها الشفافة ودلعها الممزوج ببلاهة بريئة. كانت والدتي دائماً ما تشتكي مني قائلة: «يا إلهي ماذا أفعل لهذه البنت الدائمة السرحان؟!»، كان عقلي ينسج قصصاً وحكايات ويجعلني أحلق معه إلى جميع بقاع الأرض وأنا واقفة في مطبخ منزلنا. كل ذلك كان قبل تعلمي للقراءة.

كنت أنتظر انضمامي للمدرسة بفارغ الصبر. بعد دخولي للمدرسة، اجتهدت كثيراً من أول أيامي كي أتعلم الحروف بسرعة. تعلمت الحروف ثم فتحت أول قصة لأحاول قراءتها. ما زلت أتذكر أول قصة في حياتي. كانت قصة القدر السحري من سلسلة قصص الليدي بق، الخنفساء الحمراء ذات النقط السوداء «الكوكسينيليدات». بدأت بتشبيك الحروف وقراءة الكلمات كلمة كلمة ثم تكرارها حتى أجيد نطقها. بعد ذلك بدأت بقراءة الجمل وتكرارها ومحاولة فهمها. قرأت القصة مرة تلو الأخرى حتى فهمتها وحفظتها. مهما حاولت، فلن أستطيع وصف سعادتي في ذلك الوقت!

انتقلت بعد ذلك لقصة ثانية وثالثة ورابعة، ثم روايات، دواوين شعرية، كتب علمية وتاريخية وموسوعات.

... يتبع

كاتبة صحفية