السيد النمر : لا ينبغي لأحد أن يبحث عن إصلاح نفسه إلا في نفسه

إتماماً لحديث وتبياناً للتوجيهات التربوية في سورة إبراهيم, أشار سماحة العلامة السيد حسن النمر الموسوي إلى :

أن التوجيهات غير المباشرة من البيئة التي يصنعها الإنسان لنفسه, والأجواء الاجتماعية هي الأكثر أثراً على النفس البشرية من التوجيهات المباشرة, في تأكيده على أن الأبناء يتلقون الفكر من آبائهم بالأفعال أكثر من تلقيهم بالأقوال.

وقد أوضح أن "الله تعالى وفر لنا هذا النحو التربوي من خلال الشعائر الدينية", مشيراً إلى أن الإسلام بتوجيهه إلى قراءة القرآن الكريم والحث على حضور الشعائر الإسلامية كالحج فإنه "يخلق لنا بيئة تربط الإنسان بالله وبكل ما يؤدي به إلى الله سبحانه وتعالى " لأن هذه الأجواء تعيد تشكيل وعي الإنسان في العقل الباطن, مؤكداً على أن هذه الطريقة التربوية أشد أثراً من طريقة التلقي, التي " قد يحسن الإنسان تلقينها للآخرين لكنه لا يجسدها في واقعه العملي".

وفي هذا السياق أكد سماحة السيد على أن " هذا المقدار له أهمية كبرى فيما يرتبط بالتربية " , حيث أوضح سماحته أن القرآن الكريم يطلب من الإنسان أن " يكون حذراً من بعض الأشياء التي قد يظن الإنسان أنها بسيطة" , وأن هذا التحذير في معرض كشف القرآن الكريم عن طبيعة علاقة الشيطان بالإنسان في حال طاعة الإنسان له, مؤكداً على أن هذه الطاعة تكون من خلال اقتراف الذنوب, الكبائر منها والصغائر.

وقد كشف سماحته عن تحذيرات النبي الأكرم من الذنوب الصغيرة في حديثه الوارد عنه " إياكم ومحقرات الذنوب " , مؤكداً في هذا السياق على أنه لا ينبغي للإنسان أن يستهين بالذنوب الصغيرة حتى وإن اطمأن من نفسه أنه لا يقع في الكبائر من الذنوب, مشيراً إلى وقوع أكثر الناس في الكبائر, ومؤكداً على أن الأخطر من وقوعهم فيها هو التقليل من شأنها, مستشهداً بأن الغيبة - والتي هي من الكبائر – أصبحت فاكهة المجالس, حيث علل سماحته استهانة الناس بالوقوع في هذا الإثم هو كثرة اقترافه.

مؤكداً على أن الدافع للناس إلى الوقوع في هذا الأمر هو " هذا الموجود الشرير المسمى في ثقافة القرآن الكريم والديانات بالشيطان ".

وقال سماحته : هل ستبقى علاقة التحالف بين العاصي وبين الشيطان الذي دفعه إلى المعصية علاقة أبدية ؟

وقد أكد أن القرآن الكريم قد واجهنا بحقيقة أن " الشيطان هو أول من ينكص عن وعوده التي قدمها للناس "

كما أوضح سماحته أن القرآن ينص على كل فعل له عاقبة وأثر, وأننا قد لا ندرك بعض آثار الأفعال, إلا أن عدم إدراكنا للأثر لا يسوغ لنا أن نشكك في القرآن الكريم, لأننا مؤمنون بأن " القرآن وحي نزل من عند الله وإن شكك فيه غيرنا " , مؤكداً على أننا كمؤمنين نتعامل مع كل ما ورد في القرآن على أنه " حقائق لا تقبل الشك أصلاً".

وتطرق إلى أن طبيعة الإنسان وتكوينه يحثه على " البحث عن مشجب يعلق عليه أخطائه " , فتراه يبرر ذنوبه بالأجواء العامة والظروف المحيطة, مؤكداّ على أن هذا ليس مبرراً إطلاقاً, وذلك لأن القرآن الكريم يشير إلى أن الإنسان مختار في أفعاله, وأن هذا الاختيار هو الذي يخضع الناس إلى الحساب على اختياراتهم, " فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ".

وقد أوضح أن الناس هم الذين تعاملوا مع الشيطان معاملة الشريك لله, وليس الشيطان هو الذي ادعى الشراكة, وأن الشيطان إنما دعا الناس إليه من دون سلطة له عليهم, منبهاً على أنه لا ينبغي لأحد أن يبحث عن إصلاح نفسه إلا في نفسه.

كما أوضح أن تعبير القرآن الكريم عن المؤمنين بـ" الذين آمنوا " و " وعملوا الصالحات " يدل أيضا على أنهم إنما كانوا مختارين للإيمان والعمل الصالح وليسوا مجبورين, مستخلصاً من ذلك كله أن كلاً منهم مختار, فلا يمكن لأحد أن يحول دون نوال الأخيار للثواب , كما لا يمكن لأحد من العاصين أن يتنصل عن العقاب.

وأكد سماحته أن القرآن الكريم عندما يؤكد على أن الإنسان مختار في أفعاله فإنه لا يتركه هملاً وإنما يوجهه إلى حسن الاختيار, وذلك من خلال تأكيد القرآن أن الله هو الداعي إلى الإيمان وأن الشيطان هو الذي يدعو إلى الكفر والنفاق, مؤكداً على أن القرآن الكريم يعرض لنا الفرق بين هاتين الدعوتين حينما يوضح لنا أن الله تعالى يفي لنا بوعده وأن الشيطان يخلف وعده, وأن العاقل " لا يستجيب لدعوة من يعلم مسبقاً أنه سيخلف في وعده مهما كان الوعد مزخرفاً ومهما كان فيه من الزبرج".

كما أوضح أن القرآن الكريم لا يكتفي بذلك وإنما يشير إلى أصل " مركوز في نفس كل واحد من الناس " وذلك من خلال إشارته إلى ثقافة السلام, التي أعلنها الإسلام تحية له, في ثقافة جديدة على العرب.

وقال سماحته : الله سبحانه وتعالى دفع بالناس إلى أن يكون السلم والسلام والمحبة والمودة بين الناس هي القاعدة, لأننا إذا استطعنا أن نبعث هذه الروح في نفوس الناس أمن الناس على أعراضهم وعلى أموالهم وعلى أنفسهم, وسهل أن يتحاور الأطراف فيما بينهم فيفهم كل طرف الطرف الآخر" مؤكداً أننا لا يمكن أن ندفع بالأمة إلى الأفضل دون أن يستقر السلام في أوساط الأمة.

وأكد في ختام حديثه أن الإمام المهدي المنتظر عندما يرسي السلام في أوساط الناس فإنه سيرفع بذلك مستواهم العلمي والمعرفي والثقافي.
جاءت توجيهات سماحته في خطبة يوم الجمعة التي ألقاها على مسامع جموع المصلين الذين غص بهم مسجد الحمزة بسيهات مستلهما ما تيسر استلهامه من قوله تعالى ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ ( 22 , 23 )