التباهي بالكتب

بينما يعتبر البعض التباهي بجمع الكتب وتضخيم أحجام مكتباتهم أمرا سيئا يدل على مسار خاطئ في عالم المعرفة والثقافة، يعتبرها آخرون مؤشرا إيجابيا للقيمة التي يتم إعطاؤها للمعرفة القادمة من الكتب.

فكما يحق لآخرين أن يتباهوا بامتلاكهم المال والمجوهرات والسيارات الحديثة والمنزل الكبير والمزارع وبعض المواشي الجيدة والإبل وغيرها، وقد تقام المسابقات لبعض هذه الأمور، فإنه يحق لملاك الكتب أيضا أن يتباهوا بما اشتروه من كتب وإنتاجات أدبية وثقافية.

ويعطي التباهي والتفاخر بالكتب في مجتمع ما دلالة «إلى حد ما» على علو قيمة القراءة والكتب في ذلك المجتمع. فحتى لو لم يقم مشتروها بقراءتها فإن مجرد وجودها في مكتبة البيت قد يدفع سكانه للقراءة في وقت ما. ولا أجد حرجا أبدا في أن يقوم البعض بتصوير نفسه في برامج التواصل الاجتماعي إما وهو يستعرض مكتبته الشخصية وما تحتويه من كتب أو وهو يقرأ بينما يحتسي الشاي أو القهوة.

كما إن جمع الكتب يعني فيما يعنيه شراء المزيد منها وهو ما يزيد من مبيعاتها ويعطي دفعة للكتاب والمؤلفين لمزيد من الكتابة ومن ثم الطباعة، ويعني أيضا توجها أكبر نحو مزيد من البحث والتنقيب في الكتب والمصادر وهي جميعها مؤشرات على صحة توجه المجتمع نحو الفكر والثقافة.

إن الكتب هي إحدى أهم إنتاجات البشرية أهمية وانتشارا. فهي علاوة على أنها المصدر الأساس للعلم والمعرفة في جميع أنحاء العالم ومنذ العصور الساحقة لوجود الإنسان، فإنه يمكن القول باطمئنان أنها تتواجد في كل مكان تقريبا في البيت والعمل ومقر الدراسة والجامعة وفي المعمل والمصنع وحتى في وسائل النقل، وهو ما يندر أن يحصل لأي سلعة أخرى باستثناء الغذاء، حيث إنه «من كل الأدوات التي اخترعها الإنسان، الكتاب هو أعظمها. كل ما عداه امتداد لجسده... وحده الكتاب امتداد لخيال الإنسان وذاكرته» كما قال الكاتب والقارئ العظيم بورخيس. هذا المحب للكتب ورغم أنه ألف العديد منها إلا أنه يقول عن نفسه: فليتباهَ غيري بما وضع من كتب، أنا لي أن أتباهى بالكتب التي قرأتها. كما كان العرب يتباهون بها في جميع عصورهم المزدهرة، بعددها ونوعيتها بل وحتى أنواع أغلفتها ومن أي شيء تم صنعها.

ماذا قد يحصل لو لم نتباه بالكتب والقراءة؟ إن ذلك سوف يفسح المجال لآخرين أن يتباهوا بالتوافه من الأمور أو أمور أقل أهمية من ذلك ما قد يعطيها أفضلية على الكتب.

كم يعجبني شراء الكتاب، رؤيته، لمسه، شمه، توسده، والتحافه، الحديث عنه وحوله ومعه، ووجوده في كل مكان، ودخوله ككلمة في أي حوار من أي نوع. أحب الأفلام التي تتحدث عن الكتب والكتاب، القراءة والقراء، حتى الأواني والأثاث وسلاسل المفاتيح «الميداليات» الذي تطبع عليه صور كتب هو نوعي المفضل.