على أبعاد النسبية

 


حين أطلق اينشتاين نظرية النسبية المختصة بمجالات الفيزياء سواء على الأرض أو في الفضاء والتي اختصت بالحركة ونصت على مبدأين هما :
- سرعة الضوء ثابتة في الفراغ , ولا تختلف باختلاف المصدر" المشاهد "
- لا يمكن قياس السرعة النسبية , إنما تعتمد على خواص العالم الذي تسند إليه و اختلاف الملاحظ .

ولشرح هذا المبدأ : نقول أن سرعة طائرة تحلق في السماء تختلف بالنسبة لشخص الذي يقف فوق سطح منزله عنه شخص يقود سيارته ويشاهد تلك الطائرة ...
و إذا أردنا الحق فإن الفضل في إيجاد هذه النظرية لا يرجع لعبقرية السيد اينشتاين وحده فهي نتاج أفكار تجارب وعلماء قد سبقوه كـ( لورنس وبلانك ) سوى أن اينشتاين قولب هذه التجارب والأفكار في هاتين الفرضيتين .

وكما أحدثت نظرية النسبية ثورة في علم الفيزياء ونجحت في تفسير العديد من الظواهر , فإنها تقولبت في جميع مظاهر الحياة , ولا تزال بين مؤيد ومعارض .

ويبدو أن أولئك الحافلين بتلك النظرية سعوا إلى تطبيق فرضها الثاني في جميع مجالات الحياة .
ونسوا أنها مجرد نظرية ؛ حيث وفي التعابير الرياضية أن النظرية هي قاعدة قابلة للصواب والخطأ وهي بعكس المسلّمة التي لا مجال فيها للخطأ .
كما نسوا فرضيتها الأولى والتي تنص على أنه كما أن هناك أشياء متغيرة ونسبية , تبقى هناك أمور ثابتة لا يمكن أن تتغير باختلاف الظروف والأشخاص أو الأماكن  ( سرعة الضوء في الفراغ ).

خاصةً أولئك الذين جاؤوا لتطبيق هذه النظرية على الدين والتشريعات والنص الديني .
فإذا كان الحديث أو السنة النبوية يمكن إخضاعها تحت هذه النظرية باختلاف السند والمتن
لكن ذلك ينتفي بمجرد عرضها على النص القرآني ومدى توافقها و إياه .

كذلك فإن إخضاع التعاليم الدينية " بالنص القرآني " ضرب من الخيال .
و أمام تلك الموجة من المثقفين اللذين حملوا تلك الفكرة وتحمسوا لها كثيراً و أرادوا تطبيقها على مبادئ التشريع استناداً لفكرة أن كما العادات والتقاليد تتغير باختلاف الزمان والمكان

فبإمكاننا أن نطبق نسبية الأمور على تعاليم الدين وتشريعاته , فما يمكن أن يكون حراماً في مكان أو زمان بإمكانه أن يحلل في مكان أو زمان مختلف بحسب نظرة الشخص نفسه وظروفه .. والعالم المحيط به والبيئة التي يطبق فيها . واستعمال قاعدة لا شيء ثابت في الحياة .

واقع الأمر أن هناك في مجريات الحياة , ثوابت ومتغيرات .. تلك الثوابت لا يمكن قولبتها أو صياغتها بحسب استيعاب المفردات , فهي تبقى ثابتة على مر الزمان وباختلاف المكان , كقولنا أن الصدق أمر حسن , وهذه قاعدة لا غبار عليها .. إلا أنه تبقى لكل قاعدة شواذ فالغيبة و إن كانت قولاً صادقاً هي أمر مذموم بحد ذاته .

وثبات النص الديني لا ينفي كونه مناسباً لكل زمان ومكان .. فالله تعالى وهو المشرع الحكيم الخبير بنظام هذا الكون ودقائق النفس البشرية ومتغيراتها .. وضع في رسالته الأخيرة من القوانين ما يضمن لها النظام والاستقرار ويخدمها حتى آخر يوم في الوجود , ولذا بقي باب الاجتهاد في الدين لمواكبة الجديد في ظل التشريع الإسلامي .

إن أي فرد له إلمام بمعاني مفردات القرآن الكريم بإمكانه تدبر آياته ومعانيها ,, وفي كل مرة
سيجد فيها معان مختلفة تفتح له آفاقاً أوسع , ومع ذلك  ورغم الأمر بتدبر القرآن الكريم والتفكّر في معانيه فإن ذلك لا يعني التفسير بالرأي أو الجزم بالمعنى الذي وصل إليه الذهن .

فهذا النص لا يعلم تأويله ( إلا الله والراسخون في العلم ) .
ويبقى التفسير أو المعنى المراد هو الذي وصلنا عن رسول الله والراسخون في العلم وهم آله الطاهرين عليهم السلام .
لكن تبقى هناك قضية هامة تحتاج النظر في محورها , ووضعها في إطارها الصحيح
بقي أمر التفريق بين تفسير النص القرآني وتدبر النص القرآني .

إن التفسير بالرأي هو أمر محرم لا جدال في ذلك أما التدبر فهو أمر مطلوب ومأمور به
( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها )
فالقرآن الكريم هو خطاب لكل إنسان في كل زمان ومكان , لذا فهو مأمور بالتدبر في معانيه والتفقه في ظل أبعاده , فذلك أمر يفتح آفاق الفكر بالتفكير بالمعنى المراد .

أما تفسير النص وهو الجزم بالمعنى و إعطاء الآية معنىً لا تحيد عنه , ونسبه لله تعالى
فذاك أمر خطير وسبب كل بلاء .. فكم من صاحب هوى , استغل الدين لأجل مآربه الشخصية , فكان القرآن تابعاً لأفكاره وهواه .. لا فكره تابعاً للقرآن ومعانيه ..
( الذين اتخذوا القرآن عضين ) .

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 4
1
موسى جعفر آل رضوان
[ أم الحمام ]: 13 / 3 / 2010م - 7:34 م
تنيشنت (إينشتاين) ولو عشت تسروشت (المفكر الايراني عبدالكريم سروش)

الاديبة المبدعة عايدة الحرز
عرفناك قاصة لا يشق لها غبار وها أنت تشقين عباب اللجي ذائدة بلغة العقلنة متسلحة بمنطق العلم وأدواته
2
عايدة الحرز
[ أم الحمام ]: 15 / 3 / 2010م - 1:03 ص
شاكرةً لك أخي الكريم
هذا الدعم المستمر لخطواتي الأولى ..
بكم و بالعقول الواعية أمثالكم تُقاد الحملة النهضوية ..

أطيب المُنى
3
حسين الحرز
[ السعودية - القطيف/ أ الحمام. ]: 17 / 3 / 2010م - 8:03 ص
جميل ومبدع ما أقرأه لك هنا ، أشدد على يدك.

بس أول مرة أقرأ لك في هذا النوع من المقالات والتي تجعلني أكبر شخصك وأنحني إجلالاً و تقديراً له.

بوركت كفك
4
عايدة الحرز
[ أم الحمام ]: 19 / 3 / 2010م - 12:49 م
يسعدني رأيك ..
وما نحن إلا تلاميذكم :)