الجزء الأول

الزواج شراكة حقيقية 1

 خلق الله الخلق وجعلهم يعيشون داخل نظام يحكمهم ويُرتبهم ويُسير حياتهم, فمملكة النحل تعيش في ظل نظامها الخاص المحكم, وكذلك مملكة النمل, وغيرها من المخلوقات, وحتى البشر يعيشون داخل نظام: أصطلح على تسميته بالأسرة, فالأسرة هي نظام من بين أنظمة الوجود البشري, أي أن الأسرة نظام داخل نظام العمارة, والعمارة نظام داخل نظام الحي, والحي نظام داخل نظام المدينة, والمدينة نظام داخل نظام المحافظة, والمحافظة نظام داخل نظام الإمارة, والإمارة نظام داخل نظام المملكة, لا بل إن الأسرة نفسها هي الأخرى تحمل مجموعة من الأنظمة متى ما تداخلت هذه الكيانات والأنظمة فيما بينها تسببت في خلق توترات بين كيانها.

حيث يوجد كيان الأخوة, وكيان الأبوة, وفي الأسر الممتدة يوجد كيان الأجداد, والأعمام, وأي خلط بين هذه الكيانات سيتسبب في خلق توترات تسهم في تصدع النظام الأسري ككل.

جاء الإسلام وأكد الحاجة الإنسانية لتأسيس النظام الأسري, والذي هو حاجة فطرية عند جميع أفراد البشرية جمعاء, وحث في آيات قرآنية على الزواج وتأسيس الأسرة, وكذلك حث النبي وأهل بيته – صلوات الله وسلامه عليهم – على الزواج.

فما هو نظام الزواج؟ وكيف ينشأ؟ وكيف يمكننا تأسيس لمشروع زواج سعيد, ومتى يمكن تصنيف الزواج بأنه زواج مستقر مشبع؟ وكيف يمكننا التقليل من ارتفاع مستويات الطلاق في المجتمع؟ وكيف يمكننا إخراج الزوجين الراغبين بالطلاق بأسلوب إيجابي لكلا الطرفين من نظام الزواج بأقل الخسائر المادية والمعنوية؟

هذه المجموعة من الأسئلة الكثيرة والتي سنتناولها في هذه السلسلة والتي تحمل عنوان: "الزواج شراكة حقيقية", والتي أتمنى أن تجد صدًا واسعًا في المجتمع, حاملة لواء التغيير الإيجابي, وراسمة للمجتمع تجربة جديدة لفهم الزواج والأسرة, لعلها تسهم في تقليل مستويات الطلاق في مجتمعنا, وأسأل الله العلي القدير أن ينفعنا وإياكم بهذه السلسلة, وأن تحمل بين طياتها نسمات وهمسات روحية صادقة تخرج من القلب لتستقر في قلوب أفراد المجتمع جمعاء, فعلى بركة الله نبدأ.

كل فرد منا يحلم بأن ينشئ أسرة سعيدة مستقرة ومشبعة, حيث تصنف الأسر إلى أربعة أنواع من حيث الاستقرار والإشباع, هي:

   1. الأسرة المستقرة المشبعة (الأسرة السعيدة, الناجحة).
   2. الأسرة المستقرة الغير مشبعة.
   3. الأسرة الغير مستقرة لكنها مشبعة.
   4. الأسرة الغير مشبعة والغير مستقرة.

والجميع يطمح لأن تكون أسرته من النوع الأول, ففيها يعم الاستقرار, فلا يكدر صفوها أي خلافات بين أفرادها, ولا تحمل اتحادات متصارعة, كما إنها مشبعة ففيها يتم تلبية جميع حاجات أفراد الأسرة الأساسية, والعاطفية, والتفاعلية, والتواصلية, والنفسية, موصلة أفرادها لبر الأمان, والنجاح والفاعلية للنهوض بالمجتمع الإنساني البشري.

الزواج شراكة حقيقية

فهل يا ترى يمكن الوصول لهذه الأسرة السعيدة الناجحة, من خلال التمني؟ أم يحتاج للوصول إلى هذا النوع من الأسر من خلال العمل الناجح المستبصر والفاهم لحيثيات الزواج والأسرة, في جميع مراحل نمو الأسرة ودورة حياتها؟!.

يحتاج الأمر إلى كثير من العمل, ولا يكفي عامل البركة, أو قانون خبط عشواء, أو بالمحاولة والخطأ, فالزواج ليس نظام عبثي كي يمكننا العبث فيه, وإنما هو نظام دقيق ويحتاج لدراسة معمقة لفهمه كي يستمر هذا النظام بالشكل الذي يؤمن لأفراده الاستقرار والإشباع أي السعادة الروحية والمعنوية والمادية.

يرى كثير من الشباب أن الزواج شيء بسيط يمكن فهمه بالفطرة, وكذلك الفتيات, وللأسف الزواج هو توافق روحي ونفسي وعاطفي وفكري وعضوي واجتماعي وديني, والحمد لله حيث تم تشريع نظام التوافق الصحي من خلال تحليل الدم بهدف معرفة التوافق للمقدمين على الزواج, ولكن هذا التحليل لا يكفي لإنجاح الزواج وإسعاده, وإنما نحن نحتاج إلى ما هو أبعد من ذلك, نحن بحاجة إلى حقيبة كاملة من التحاليل تسهم في إنجاح الزواج, وقبل أن نصل لذلك اليوم الذي نجد فيه هذه الحقيبة, لا يمنع من رمي حجرة في المياه الراكدة لعلها تحرك سكونها, وتبعث الأمل فيها من جديد.

لنرجع للزواج والأسرة, يبدأ الزواج عادة بالتقدم الشاب للفتاة وطلب يدها, حسب ما يرى الكثيرين, والحقيقة ليست كذلك, حيث يبدأ الزواج من حيث ظهور الفكرة في عقل الشاب للإقدام على المشروع الحياتي الكبير, فلهذا يحتاج في المرحلة الأولى: تقديم الفكرة إلى من يشتركون معه في نفس الكيان أي إخوانه, ومتى ما وجد قبولاً لفكرته من جميع الأخوان, سوق الفكرة على كيان الأخوات, ومتى ما وجد قبولاً وترحيبًا لهذا المشروع, قدم المشروع لكيان الأبوة والذي يشترك فيها الأبوان (الأب والأم), ومتى ما وجد ترحيبًا لفكرة المشروع, قدم المعايير والمواصفات والأفكار التي يراها تتوافق مع أسسه الفكرية والقيمية وحياته العملية والاجتماعية, غير متناسيًا ما سيؤول إليه شأنها في إعداد وتربية أبنائه, أو يقدم اسم البنت التي يراها تتناسب مع معاييره السابقة.

فلهذا علينا فهم هذه المرحلة لأن أي خلل فيها سيشكل صراعات مستقبلية في الأسرة الحديثة, وهي في مرحلتها الجنينية, تؤثر على دورة حياتها المستقبلية الدائمة, مما يجعل دفع الثمن أضعاف متضاعفة, قد تُشكل عبأً دائمًا على كيان الأسرة ينذر دائمًا بزعزعة استقرار الأسرة.

مرحلة تقديم مشروع الزواج, حيث يتم التسويق فيها في أسرة الزوج, ويتم التقديم من خلال إقناع الكيانات وأفرادها, ثم يتم الانتقال للكيان المساوي في نفس المستوى, ثم الأعلى مستوى, فلو كانت العائلة ممتدة فيتم التمرير بنفس الطريقة, حتى تصل إلى كيان الأجداد.

وسبب التسويق والإقناع والتمرير,ليتم أخذ الموافقة على المشروع الذي يعتبر مشروعًا جديدًا على كيان الأسرة, فحينما تأخذ الموافقة المبدئية في الأسرة فأنت تقف على أسس صلبة لبناء هذا المشروع, كما أن التسويق والإقناع والتمرير يوفر ضمانة وصمام أمان لتقليل ظهور خلافات بين الزوجة وأهل الزوج, خصوصًا حينما يكون هناك اعتراض من بعض أفراد الأسرة, فقد تظهر صراعات مستقبلية والسبب, عدم اندماج العضو الجديد داخل كيان الأسرة, لعدم تقبل أفراد أسرة الزوج الزوجة, فلهذا من الأفضل توفير الغطاء الذي يتقبل اندماج عضوية جديدة داخل كيان الأسرة, ولتوضيح نظام الأسرة راجع الشكل رقم 1. 

لنتوقع أن الأخ الأوسط قرر الزواج قبل الأكبر مثلاً, حينها على الأخ الأوسط تقديم المشروع للأخ الأكبر أولاً حتى يأخذ الموافقة, وحينما لا يجد الموافقة, يعمد إلى حث الأخ الأكبر لفكرة الزواج, قبل تمرير المشروع لبقية أفراد الكيان, ولا تمرر الفكرة للأخ الأصغر فهذه الخطوة تخلق تصدع بين الكيان نفسه, مما يشكل قفزة على عضوية الأخ الأكبر, وتمزيقًا لكيان الأخوة.

ولكن لو أن الأخ الأكبر تسبب في الإضرار بالأخ الأوسط من حيث زيادة التأخير, حينها تمرر الفكرة للأخ الأصغر, ليعمل كلاهما على حث الأخ الأكبر على الزواج, أو إقناعه بأهمية الموافقة على مشروع الأخ الأوسط.

وحينما يأخذ الموافقة من جميع أفراد الكيان – كيان الأخوة – يعمل على تمرير المشروع للأخت الكبرى في الكيان, من خلال جميع أفراد كيان الأخوة, حتى يتوفر الغطاء لهذا المشروع, وتقوم الأخت الكبرى بتسويق الفكرة على أعضاء كيانها, بعدما تقتنع بالفكرة وما تنطوي عليه من مصلحة للأسرة وللأخ, داخلا السرور والبهجة والسعادة للأسرة.

وحينما يتم ذلك بدون اعتراض, يتم التمرير إلى كيان الأبوة, ليتم طرح المشروع عليهم, وكم ستسعد الأسرة بهذا المشروع, فهو يحقق سعادة لأحد أفرادها, وحتى تكتمل السعادة, يبدأ صاحب المشروع بتقديم المعايير التي يراها تناسب شريكة حياته, بعدما يعمل استقراء لسماته الشخصية والخضوع للاختبارات النفسية المعتمدة والمقننة, والتي تسهم في فهم الذات, حتى يتمكن المقبل على الزواج معرفة ذاته, ومعرفة السمات الشخصية التي يتناسب معها, والتي يفضل توفرها في زوجة المستقبل, حتى يتم التوافق النفسي.

وللسلسلة بقية, فانتظرونا في الحلقة القادمة!

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
مناجاة علي
[ أم الحمام - القطيف ]: 8 / 3 / 2010م - 8:02 ص
موضوع حلو وشيق ننتظر أكتمال السلسلة موفق لكل خير
طالب ماجستير في الإرشاد النفسي