لا للطائفية ، نعم لثقافة المحبة والتعايش السلمي

 

 

سيأتي يوم من الأيام على  الأجيال القادمة ينظرون إلى التمييز الطائفي  جريمة من الجرائم الكبرى في حق الإنسانية  ، وخيانة من الخيانات العظمى للدين الإسلامي الحنيف   ، وعامـلا ً من عوامل التخلف والجهل  ، وقيمة من القيم الجاهلية ، ومبدأ من المبادئ الفاسدة  ،و سينظرون إلى التكفيريين والطائفيين  نظرة  اشمئزاز وحقارة ، بسبب الممارسات و الإثارات الطائفية  التي أثاروها في الزمن الرديء ، بحيث  أدت إلى  الكراهية والبغضاء  ، والانقسامات العميقة في المجتمع الإسلامي ، و الحروب والتناحر بين أبناء الأمة الإسلامية ، حتى إننا اعتقدنا إن هذه الحروب تقوم بين دينين مختلفين بشكل جذري ،  و بين حضارتين متناقضتين لا يجمعهما أي قاسم مشترك  ، ولا  يرجعون إلى نبي واحد ، و لا إلى  قرآن واحد .

إنّ الأجيال القادمة سيصابون بالدهشة الشديد ة ، وبالصدمة الكبرى ، ويتعجبون من قلة الوعي ، وسيتساءلون فيما بينهم  كيف أن الأفكار الطائفية المقيتة  تؤثر على عقول الشباب والشابات ؟!! لوضوح شرها وأثارها السلبية على الناس ،بل سيجعلون الطائفيين نماذج واضحة على الضلال والباطل، وسيضربون بهم المثل على الظلم والطغيان.

كلنا يعرف إن الطائفية عندما بدأت  في العصور القديمة بدأت  على أيدي أناس  بعيدين كل البعد عن الالتزام الديني ، وذلك من أجل العصبية ، ولترويج أفكار وأهداف سياسية  معينة ، ثم تطورت إلى طائفية ذات صبغة دينية تبشر بمفاهيم وأفكار تكفيرية  ،  من أجل السيطرة والهيمنة على عقول الناس وعواطفهم ، والدين الإسلامي بريء من تلك المفاهيم والأفكار الخاطئة .

هل نعيش بداية نهاية الطائفية ؟ هل تنتهي الطائفية قريبــًا ؟ هل ينجح ميثاق الشرف للتعايش السلمي ؟ 

لقد رأينا في الفترة الأخيرة من النخبة المثقفة ومن جميع الأطراف السنية والشيعية انتقاد لاذع للفتاوى الطائفية  ، والتصريحات الطائفية ، والمقالات الطائفية ، ومن مختلف شرائح المجتمع علماء ومفكرين ومثقفين وإعلاميين ، وخير مصداق على ذلك  مواجهة الشيخ العريفي بشكل قوي ، ومحاولة القضاء على فتنته الطائفية ، وتياره التكفيري ، عندما تفوه بتصريحاته المشينة ضد الشيعة ، و ضد مرجعهم الأعلى آية الله العظمى  السيد علي السيستاني دام ظله .

 وهذا مؤشر  إيجابي يبعث على التفاؤل والأمل على قرب نهاية  الزمن الطائفي ، ودليل واضح على بداية نهاية الطائفية ، وإن المجتمع يعيش مرحلة مخاض ، يعبر عنها بنقاشات حادة  ، وأدوات ثقافية متنوعة  ، وبأساليب إعلامية مختلفة .

سينقرض الطائفيون عندما يواجهون فكريــًا واجتماعيـًا وسياسيـًا وإعلاميـًا ، وعندما تسن قوانين تجرم الممارسات الطائفية من أقوال وأفعال ومواقف  تسيء إلى المعتقدات والرموز الدينية   ، وحينما تسلط الأضواء إعلاميـًا على الأصوات المعتدلة  الناضجة ، وإبراز القيادات المتسامحة دينيــًا  في الواقع الاجتماعي ، سينعكس إيجابيـًا على الأجيال الشابة ، وسيقتدون بها بشكل عملي ، مما سيؤدي إلى التخفيف من الأجواء الطائفية ، واندثارها تدريجيــًا  ، ثم موتها بشكل نهائي .

لقد أبدع الشيعة قديمـًا وحديثــًا في  إشاعة  كلمات وأفعال ومواقف تشجـّـع على الإخوة الإسلامية ، وتدعو إلى الوحدة الإسلامية بشكل واضح ، أمثال  (( إخواننا أهل السنة )) ،(( وأسبوع الوحدة الإسلامية ، وأسبوع المودة والمحبة )) وذلك بمناسبة مولد الرسول الأعظم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم ، وحفيده الإمام الصادق عليه السلام ، من أجل التقارب الإسلامي ، ونشر أجواء المودة والمحبة بين الطوائف الإسلامية ، والتركيز على المشتركات التي اتفق عليها المسلمون .

وخير برهان على إن الشيعة يدعون إلى المحبة والإخوة  ما قاله الإمام السيستاني إلى زواره الكويتيين عندما

 قال : (( على جميع المؤمنين نشر ثقافة المحبة، والحرص على قول «أنا أحبك» لجميع المؤمنين، حفاظـًا على الوحدة الإسلامية وحرصـًا عليها من محاولة تفريغها وشق صفوفها ودفعها بالتي هي أحسن كما أمرنا

 الله تعالى ))، وعندما قال كلمته المشهورة الخالدة : (( لا تقولوا إخواننا أهل السنة ، بل قولوا أنفسنا أهل السنة )).

إن التاريخ سيخــّـلد هذا الرجل العظيم ، وستذكره الأجيال القادمة بكل احترام وتقدير لمواقفه العظيمة ، وكلماته النورانية ، وتقواه وحسن خلقه .

قال تعالى في كتابه الكريم  : ((يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير )) .

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( أكمل المؤمنين إيمانـًا أحسنهم خلـقــًا )) .

 لقد سمعنا في الفترة الأخيرة عن ميثاق شرف للتعايش السلمي بين الطوائف الإسلامية ، نتمنى من أعماق قلوبنا أن  ينجح هذا الميثاق في مواجهة الطائفية الشرسة ،   ويتحول إلى برنامج عملي ، وإلى واقع محسوس ، يشعر به كل واحد منا ، لكي نشعر بالثقة فيما بيننا ، والانفتاح على بعضنا البعض ، والعمل سويــًا على تنمية أوطاننا لما فيه مصلحة لنا ، ولأولادنا وأحفادنا .

 لقد أتعبت الطائفية أبناء الأمة الإسلامية  ، وأشغلت أذهانهم وأفكارهم  عن القضايا الأهم ، وأبعدتهم عن التعرف على حقيقة الإسلام وعظمته،  وقيمه الإنسانية  ، ومبادئه الرحيمة ، ومفاهيمه المشرقة .

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( الإسلام حـُسنُ الخــُـلــق )) .