اكرههم يا أبي

في يوم من الأيام ورد اتصال من إدارة المرور لرجل أخبروه أن ابنه محتجز لديهم لارتكابه ثلاث مخالفات مرورية، وهي السرعة العالية عن الحد المسموح به، وتظليل السيارة بظلال قاتم بحيث لا يُرى من هو في داخلها، إضافة إلى عدم حمله رخصة القيادة.

فما كان من الوالد إلا أن ذهب لكي يخلِّص ابنه الوحيد من هذا الحجز الذي لم يتعوّد عليه، جاء وهو مستنكراً على إدارة المرور، كيف يحتجز الولد على هذه المخالفات؟ ففي العادة يُعطى قسيمة المخالفة لكي تُدفع نكالاً به لمخالفته، لكن المفاجئة جاءت مثل الصفعة على قلب الرجل، حيث ابنه المؤدب قد أساء إلى شرطي المرور بكلمات لا تليق، وبعد الاعتذار من رجل المرور أطلق سراح الولد.

في سيارة الوالد المندهش من هذه التصرفات التي صدرت من أبنه تساءل: لماذا يا أحمد أسأت إلى الشرطي؟ فأجاب الولد قبل إكمال السؤال: إني أكرههم يا أبي.

فازداد الوالد تعجباً: تكرههم! لماذا يا أحمد؟ قال: لأنهم سنّة.

سنّة وما دخل ذلك في مخالفة القانون؟ قال: لما يقولونه علينا في مناهج التعليم من اتهامنا بالشرك لأننا شيعة.

ومن قال لك ذلك؟ قال: الشيخ الفلاني في القناة الفلانية.

قال الرجل: هذا غير صحيح يا ولدي؟ قال: وقد شاهدت ما يقولونه علينا في قنواتهم الفضائية. انتهت

نستفيد من هذه القصة أن طرق التحريض الطائفي سالكة أمام الجميع، وأنها مكملة لبعضها البعض، فلا بد من حالة طوارئ من قبل العقلاء المعتدلين، لأن الإرهاب يولد من رحم التعبئة الفكرية، فاليوم نرى الكثير من القتل والعنف المتفشي في مجتمعاتنا، إنما هو بدايته فكرة وقد انتهى إلى ما نحن عليه الآن.

لا شك بأن وسائل التعليم قد تعددت في عصرنا الحاضر، حيث تقدم العلوم التقنية والتكنولوجيا، فبالعلم ترتقي الأمم، وبالعلم تشيّد الدول، فالمال فانٍ، لكن العلم باقٍ ما بقي الدهر.

كما أن العلوم تؤخذ من المناهج العلمية إضافة إلى الوسائل الالكترونية، مثل التلفزيون والحاسب الآلي وغيرها، وقد تعددت القنوات الفضائية بشكل رهيب والكل يدلو بدلوه فيها، حتى أصبحت جزءاً من حياة الناس.

فمناهج التعليم الدينية والتاريخية الموجودة تحرّض على الكراهية بين الطلاب، حيث إنها تطرح من رأي واحد وتفرض على الآخرين، بل تحرض على الكره لهم، فالمفترض من المناهج التعليمية أن تقوم بطرح المشتركات المتفق عليها، والحرص على الثقافة الخلقية التي هي من صميم ديننا الحنيف عند الجميع، أو تخصيص المدارس الخاصة لكل مذهب بعينه، فديننا الحنيف جاء متكاملاً ليس فيه أي نقص.

أما القنوات الفضائية فقد جاءت كأهم وسيلة للتأثير في نفوس الناس، فهي من أقوى وسائل الإعلام التي من المفترض أن توجّه المجتمعات إلى الحرص على الوحدة الإسلامية، لكن مع الأسف استخدمت في غير محلها، يُمارس فيها بث روح الفرقة بين المسلمين، وخصوصاً الخطابان الديني والسياسي.

فعلى القائمين على الوسائل الإعلامية أن يتقو الله في مجتمعاتهم، وبث روح الحب بين الناس، بدلاً من التحريض على الكراهية بينهم، وعلى الواعين العقلاء تحمل المسؤولية تجاه هذا المد الطائفي البغيض، بتوجيه البديل عما يطرح في الوسائل التعليمية والقنوات الفضائية.