المخيمات الكويتية.. تجربة في الإصلاح الاجتماعي

الأستاذ / ياسر محمد

يحتاج عنصر الشباب في أي مجتمع للعديد من البرامج المُعينة على شغل وقته وتقديم ما يعود بالمنفعة عليه وعلى مجتمعه من خلال عدد من الأنشطة الترفيهية التي تصل بالشاب في نهاية المطاف إلى هدف واحد أو عدة أهداف يتوخاها المجتمع. فمن الصعب إصلاح المجتمع الذي ركيزته الأساس اليافعين والشباب عن طريق الاكتفاء بالوعظ والإرشاد فقط والذي كان يوماً ما الوسيلة الأنسب والتي يختلف تأثيرها اليوم عند العمل بها وفق آلياتها القديمة مع كل هذا الانفتاح الثقافي على العالم والتلاقح الفكري بين المجتمعات والشعوب ودخول وسائط جديدة تقدم الأفكار وتطرحها بطرق ساحرة.

فمجتمعاتنا اليوم بحاجة لاستحداث آليات وبرامج جديدة تحتوي الشباب وتعطيهم الرغبة في الانخراط في البرامج الدينية أو الثقافية أو الاجتماعية الخيرية بطريقة أكثر جذباً وأقوى تأثيراً في نفوس الشباب وذلك انطلاقاً من برامج بعيدة الصلة في ظاهرها عن الطبيعية الدينية أو التوجيهية التي تدخل في جانب تصحيح السلوكيات والأخطاء ورفض الممارسات غير الأخلاقية ولكنها تهدف في باطنها إلى كل تلك الأمور التي قد ينفر المخطئ منها لو واجهته مباشرة بأسلوب الأمر والنهي، أو بينت له امتعاضك ورفضك لسلوكه.

ومن الأفكار الجميلة في احتواء الشباب وصقل شخصياتهم، المخيمات الشبابية في الكويت والتي تقام وسط الصحاري المفتوحة لمدة أيام عديدة مختصة بموسم عاشوراء بإشراف الهيئات والجهات الدينية والثقافية المهتمة بشؤون الشباب، فتقدم فيها المسابقات والمحاضرات التوجيهية والتربوية والألعاب الرياضية والمنافسات الحميدة، ويتعلم فيها الشاب الاعتماد على النفس في إدارة واقعه اليومي ومحيطه القريب من إعداد الطعام وترتيب مكان سكناه وطرق حل مشاكله الخاصة.

فتعمل برامج هذه المخيمات على ملء الفراغ والنقص الثقافي والديني في شخصية الشاب وصقلها بطريقة تمكن الآخر القبول بما لديه من مهارات وخبرات في جوانب متعددة وتعلمه مهارة التواصل مع الآخرين لنقل أفكار ورؤى تكون مقبولة عندهم. فكثير من الشباب في واقعنا اليوم يجدون صعوبة في التواصل مع الأسرة والمجتمع وتبادل الأفكار والاستفهام عن المسائل التي هي محل ابتلاء متكرر الدينية منها أو المتعلقة بالعلاقات المتبادلة بين الناس أو المشاكل الأسرية.

فيكون المخيم فرصة لتكوين صداقات جديدة بين الشاب وجيله أو الجيل الذي يكبره، بحيث يُكسِّر الحواجز في فضاء مفتوح من الشفافية والمرح بينه وبين المدرس أو رجل الدين من خلال برامج منظمة يُقسم فيها المنتمون للمخيم إلى عدة فئات عمرية تتشارك في برامج وتُخص ببرامج أخرى موجهة، فتُعطى المحاضرات والتوجيهات السلوكية والأخلاقية والتربوية والعديد من الدروس المكثفة في عدة جوانب حياتية تعود بمجملها على صقل شخصية اجتماعية فاعلة ومحترمة.

وهنا يأخذ الشاب جرعة من الثقافة والتربية باندفاع كبير بين جملة من عوامل الترفيه والحوار المتبادل بحالة من التقبل الكبير خاصة وأنه أتى للتسجيل والبعد عدة أيام عن أسرته برغبته واختياره دونما أي إجبار وهذا ما يحقق نتائج طيبة أكثر وأسرع في ترجمتها على أرض الواقع، بخلاف لو كان البرنامج معد داخل مسجد أو حسينية بتوجيه ودفع – إجباري أحياناً- لحضوره ويخلو من وسائل الترفيه التي تمنعها خصوصية المكان.

وما أحلى أن تكون هذه التجمعات مشاعل علمية تقام فيها دورات إعداد الكتاب والمؤلفين والشعراء والقصصيين والرسامين..الخ الذين يكونون خير ممثل لوطنهم ومجتمعهم في الإعلام للتعريف بهويتهم الثقافية والتاريخية وتوثيقها وإثراء المكتبات بجديد الفكر والأبحاث والقصص التي تلامس حاجات الطفل والمهتمين، خاصة مع الحاجة لإبراز أقلام شابة تخاطب أقرانها من الشباب داخل وخارج مجتمعها ليكون لها التأثير البالغ في نقل الفكرة وتقبلها لدى الطرف المستقبل عبر سيل من المقالات والقصص والخواطر.

فما ينبغي العمل عليه هو أن تُدرس هذه التجربة بنتائجها استعداداً لتطبيقها من قبل الهيئات واللجان المهتمة بشؤون المجتمع وإصلاحه مما اعتراه من سلوكيات وظواهر سلبية في جميع دول الخليج الممتازة بتداخل الثقافة وتشابهها من أجل احتضان تلك الطاقات الضائعة والتائهة وتوجيهها الوجهة الصحيحة لأخذ أدوار اجتماعية فاعلة يشعر فيها الواحد منهم أنه مسؤول وعنصر لا يُستغنى عنه في بناء مجتمعه.