المذهب في ظل التعايش

جُبل الناس على ما وجدوا أنفسهم عليه من عقيدة ومذهب، لأن ذلك ليس قراراً شخصياً إنما هو قرار عائلي ومجتمعي، لهم فيه خصوصيات يصعب تركها لأنها تمثل هويتهم الحياتية والدينية، كالمجال العقائدي والفقهي والتاريخي والشعائر والمظاهر والتنازل عنها من اصعب القضايا.

من هذه المنطلقات ليس المطلوب في التعايش بين أطياف ومذاهب المسلمين التنازل عن خصوصيات المذهب، إنما العيش المشترك بينهم في المشتركات التي يتفق عليها، والاختلاف في الرأي لا يعني إلغاء الطرف الآخر وتهميشه.

هناك مشكلة عنصرية في العالم الغربي، وتجاوزها في ظل التعايش، فهذه أميركا التي كانت تعيش حياة التمايز بين المواطنين السود والبيض، حيث يميز المواطن الأبيض على الأسود في كل الأمور، حتى في وسائل النقل العامة فهناك مقاعد مميزة للبيض على السود، فالأسود خلق بهذا اللون فهل المطلوب منه أن يتخلى عن لونه؟ أو عرقه أو قومية نشأ  وترعرع فيها؟

فاليوم نرى كيف وصل الرئيس الأميركي الأسود، إلى الحكم بإجماع المواطنين عليه وهو من لون اسود،نتيجة الابتعاد عن التميز والتعايش في الوطن الواحد والاستفادة من كفاءته.

نحن العرب والمسلمين أولى بأن لا تنشأ فينا هذه الحالة، لوجود تاريخ مفعم بالسيرة الحسنة في هذا الاتجاه فقد بعث الرسول محمد في مجتمع يتمايز فيه القوي على الضعيف، والأبيض على الأسود، والعربي على العجمي، لكن الرسول ساوى بينهم.

فهل تنازل سلمان الفارسي عن قوميته في ظل الإسلام؟

بطبيعة الحال لم يتنازل احد عن قومية أو عرق فالكل يعيش تحت بوتقة الإسلام.

إذن التعايش لا يعني التنازل عن الخصوصيات في المذهب، إنما احترام الجميع بعضهم البعض، والابتعاد عن السب والشتم لأنه سوف يولد ردة الفعل من الطرف الآخر، تكون سببا في التعرض لمقدسات ومعتقدات الآخرين من خارج المذهب، خصوصا وانه لا يوصل هذا النوع إلى نتيجة سوى التباغض والتشاحن بين المسلمين ففي الحديث عن الإمام الصادق يقول (لا تخاصموا الناس في دينكم).

ولعل في التعايش كثيرا من المشتركات التي تتصل بمصلحة المجتمع وأبرزها:

مواجهة التحديات التي يواجهها الوطن من خلال الظروف السياسية التي تضر بالوطن، فأعداء الإسلام لا يعرفون الشيعي من السني، فالكل عندهم سواء، فالحرب طاحنة تأكل الأخضر واليابس كما أن تجاوز القطيعة الاجتماعية يخدم المجتمع، لما لكل مذهب كفاءات يستفاد منها، فالإنسان يمرض ويحتاج إلى من يعالجه، ويحتاج إلى التعامل في كثير من شؤون حياته، فهل يشترط أن تقضي حاجته فقط من هو ينتمي إلى مذهبه؟

فخلاصة القول على جميع المسلمين سنة وشيعة، الاحترام المتبادل فيما بينهم والاستفادة من المشتركات، التي تخدم الجميع والكل يعمل على شاكلته،لا يُطلب من احد التنازل والانصهار تحت مذهب بعينه، فإنها من المستحيلات، ففي التعايش تقارب روحي ونفسي وفي التدابر خسران وخذلان مبين.