( الكلمة الطيبة و ارتفاع الرصيد الشيعي في زمان الإمام الرضا )

 

لا يخفى على أحد وقد ذكرت في  مجلس آخر  أن مسؤولية الكلمة مسؤولية عظيمة تحتاج إلى التمعن والتروي وبعد النظر فبالكلمة الطيبة تبعث السلام والإطمئنان وتصلح ذات البين وتعمر الأرض وتنير الطريق لمن طلب الهداية ،  وتنشر الهدى.

 ويمكن لأي إنسان أن يدافع عن حقه سواء عن معتقد أو مطالبة بدين  أو انقاد أمر ما ويصل إليها من أقرب الطرق وأيسر السبل من خلال كلمة هادئة والنتيجة واحدة  اذا اراد أن يأخذ حقه بقوة وعنف في بعض الأحيان من غير موجب لاستعمال العنف والأساليب الحادة .

 وبكلمة واحدة  تؤجج الحروب وتزرع الكراهية بين الناس وتزيد الأحقاد في النفوس وتبث الباطل والخطأ وتسير على اثره مجتمعات بكاملها فهذه المسؤلية عظيمة لابد أن يراعي فيها الله والحقيقة خصوصا لمن يكتب عن الإسلام وعن النبي والأئمة والتشيع والمذاهب والأعلام والشخصيات فلابد من الموضوعية والتوصل إلى الحق  وخصوصا ونحن في هذا العصر عصر المعلومات وعصر العلم وعصر الإتصالات فإن الموهبة التي وهبنا إياها قادرة على تمييز الحق من الباطل والهدى من الضلال وكيف وقد أنعم علينا زيادة على ذلك لطفا منه ورحمة غير نعمة العقل بنعمة الثقلين الكتاب العزيز والقرآن العظيم والنبي الكريم وعترته الطاهرين فإن القرآن والنبي والعترة خير مرشد لعقولنا فهؤلاء هم أمان لنا من الضلال .

أليس أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وعترته  قدوة المسلمين وأئمة المسلمين  والمتقين ،  ما أحوجنا أن نتعرف على سيرة أمير المؤمنين والأئمة  لنرى مواقفهم الحكيمة والتي تمثل الإعتدال والإتزان في المنهج ، فمثلا أمير المؤمنين حكيم في الوقت الذي يتطلب فيه الحكمة والحلم فتراه يقدم الأهم على المهم وهو يعلم أن حقه مهم ولكن استمرار وبقاء دين الله والذي قاتل من أجله وفدى رسول الله وبات على فراشه ووقاه بنفسه ومهجته ومجده وأشاد بهذه المنقبة القرآن العظيم ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ) وقد هبطا الملكان يحفظانه من كيد الأعداء وقد باهى الله بمحمد وعلي ملائكة السماء.

  ولكنه رفض في الوقت الذي يستلزم منه موقف الرفض ، قال له  الصحابي عبد الرحمن  أبايعك على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين ، والإمام يتمسك بكتاب الله وسنة رسوله واتباع رأيه لأن سيرة الشيخين ليس بحجة في نظر علي عليه السلام  وكتاب الله وسنة رسوله وقول المعصوم وفعله وتقريره هم الحجة .

 وهنا نسأل هل رفض الإمام علي للإقتداء بسيرة الشيخين وكذلك رفض بيعتهما يسوغ لنا أن نطعن بعلي ونقول بأن عليا طعن في الصحابة  وعلي المزكي من رسول الله وقد شهد له رسول الله بأن الله يحبه وعلي يحب الله ؟  ورفضه لولاة عثمان أن يكونوا ولاة في خلافة علي ،   وكذلك تسليم الأموال التي اقتطعت للأرستقراطيين من خزانة  الدولة الإسلامية أن ترجع إلى بيت مال المسلمين  وهي السيرة في تطبيق العدالة الإجتماعية  التي افتقدت حيث سياسة التمييز وجعل الطبقية حيث أن عطاء المهاجري أفضل من الأنصاري والقرشي على سائر العرب والصريح على المولى  أما أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يساوي بين عطاء العبد  قمبر وعقيل والحسن والحسين .
 فهذه الجوانب لا تأخذه في الله لومة لائم .

 ولكنه ضرب لنا أروع المثل في التسامح وعدم خلط الأمور فترى أمير المؤمنين يعامل من وقف ضده وعارضه بمعاملة الإحسان ولن يسلبه حقوقه على أن بيعة أمير المؤمنين شرعية بإجماع المسلمين  فمن عارضه  ووقف ضد وحاربه كائن من كان ونقول مخطيء 100% فلن يحرمهم من العطاء  ولم يشتمهم يقول : إخوتنا بغوا علينا ،  وليس من سيرة الأئمة الشتم ولكن يذكر مثالب القوم  ويبين عدم صوابيتهم ويبالغ في مظلوميته وسلب حقه وقد تعامل ووقف موقفا مشرفا ونبيلا حتى مع الد أعدائه في حروب الجمل وصفين والنهروان  فأخلاقيات الحرب والسلام يطبقها أمير المؤمنين بحذافيرها  والشيعة اليوم تمشي على هذه السيرة  ليس أكثر من ذلك فإن الشيعة تبين مقام الأئمة والإستدلال على إمامتهم  وذكر مظلوميتهم وما جرى عليهم وعدم ذكر هذه الأمور ضياع الكثير من الحقوق ولم يفرز ويفرق بين الحق والباطل وليس صحيحا أن ينسى التاريخ .

الكثير يدعو إلى الإسلام ويدعو إلى الهدى وربما يكون هذا الداعي عنده براهين ودلائل ولكن ربما ينقص البعض الأدوات الموصلة لبيان هذا الحق فإن المنطق والحجة لوحده ليس كاف إذا لم يوصل بكلام حسن وجميل يوصل إلى قلب وأعماق المدعويين وهم الجماهير أي الإنسان ، لابد من وسيلة التفهيم ولاتقتصر على الكلمة فالإيقاع  والتأثير إلى القلوب  بالوقفة المشرفة وبالمبادرات الطيبة وأظهار النية الحسنة كله عامل لجذب الناس والكلمة لها دور كبير ففي الرواية لو علم الناس محاسن كلامنا لاتبعونا ، ينبغي أن نتعرف على ثقافات الآخرين حتى نفهم الحياة ولا نظلم أحدا وإن أختلفنا معه  وندينهم بما يعلمونه وما يقرونه على أنفسهم حتى نلزمهم بما الزموا  به أنفسهم  .
سيرة النبي والأئمة الطاهرين منهج عظيم في الرحمة الإنسانية وهم رحمة الله الواسعة فهم صلوت الله عليهم مؤثرون وجذابون في مجتمعاتهم والنقص في أن المجتمعات الإسلامية لم تسر على ما أراده الرسول والأئمة  فأمرهم لم يطاع من البعض خصوصا الذي من يرى من قومه عدم طاعته في الأمور السياسية فقد حالوا بينه وبين الكتاب في رزية يوم الخميس وغير ذلك.

 السيدة الزهراء كانت تدعو إلى جيرانها قبل أن تدعو لنفسها  وتقول الجار قبل الدار أليس هذا مصداق الرحمة الإلهية.
  الإمام الحسن بن علي مثل الحلم والكرم والصبر ورفض الباطل وقدم الأهم على المهم في سبيل الإسلام وسيرته مليئة ،  حري بالمسلمين  سنة وشيعة أن ينظروا إلى سيرة إمامنا الحسن من مصادر المسلمين جميعا سنة وشيعة .
 الإمام الحسين عليه السلام يسقي أعداءه ويعلم هؤلاء الذين يديقونه عطشا يوم عاشوراء ولكن أمر بسقيهم وسقي خيولهم حتى كان يسقيهم بنفسه بأبي وأمي .
 
وكان يبكي ويتأسف وبكاء الإمام حقيقيا وليس تصنعيا والحسين رحمة الله الواسعة تقول له السيد زينب مايبكيك ، قال لها أبكي لهؤلاء يدخلون النار بسببي .

الإمام الصادق  إمام المذهب  يبث علومه لكل الناس فيختلف الناس على درس الصادق حتى أشد المختلفين معه يحضر درسه ويقر له بالفضل ويقول لولا السنتان لهلك النعمان  والحق ينطق منصفا وعنيدا هي الكلمة قال الإمام أبو حنيفة وهو إمام المذهب صاحب مدرسة الرأي والقياس والإمام الصادق ناظر هذا العالم السني وبين خطأ فكره بالميزان  وبمنطقه هو وبالكلمة الحسنة الغير المتشنجة والمناظرة مبثوثة في المراجع الإسلامية بوسع أي أحد أن يرجع إليها ، وناظر الصادق علماء الأديان وفقهاء الشريعة وغيرهم من أصحاب المدارس الفكرية ودفع الشبهات بأسلوب طيب وحكيم  والكل يعترف بالسيرة المعطاءة والمشرفة والرزينة من الإمتداد الطبيعي لرسول الله والممثل عنه وعدل الكتاب .

كذلك الإمام الرضا عليه السلام ففي زمنه صار حوار الحضارات فأخلاق الإمام الرضا العملية ووصاياه  ومناظراته والتعامل الحسن مع من يختلف معهم   وقد رضي به المؤالف والمخالف  فكان أكثر الناس تواضعا يأكل مع العبيد ويغني  الفقراء ويداري هذا وذاك وقد ورد الدين المعاملة ، والدين المجاملة أي المعاملة بالجميل .
 على أن المأمون عرض عليه الخلافة فرفضها الإمام ثم أجبره على أن يكون وليا لعهده فقبلها بشروط والذي يملي الشروط هو موقف القوة وليس الضعف على أن لايأمر ولاينهى ولايغير ولايبدل والمأمون كان قصده أن يضفي على خلافته الثوب الشرعي للخلافة ، وأيضا أن يبين للناس أن الشيعة تدعي للإمام الرضا العصمة وهو ولي عهد الخليفة العباسي ، الدولة الموبوءة بالفساد فمعنى أي عمل مخالف للشريعة المقدسة فمعنى أن الإمام يقره ولكن الإمام فوت على المأمون الفرصة بشروطه ، وأيضا أراد أن يحرج الإمام  باستقطاب علماء الأديان وفقهاء الشريعة حتى يبين للناس أن الإمام ليس عنده إحاطة بالشريعة المقدسة ولا بالعقيدة الإسلامية ولكن الإمام  أفحهم وأحرجهم وبين جهلهم وأثبت أن الإسلام هو دين الحق وماعداه هو الباطل وأن الحق في أهل البيت ومن أراد الله  فاليبدأ بهم ويأخذ دينه من أهل البيت لأنهم هم المرجع المبين لكلام الله وسنة رسول الله وكان بسبب تنوير الإمام ومنطق الإمام وحسن اسلوب الإمام كان تأثيره على المجتمع الإسلامي وغير الإسلامي فدخل ببركة الإمام الرضا خلق كثير إلى الإسلام والتشيع فارتفع رصيد التشيع في زمن الرضا عليه السلام .