لمستقبل خال من الألم

من المشاكل، التي تواجه مريض السكلسل هي معاملته كأنه مجرد مريض مصاب بالرشح أو كحالة ميؤوس منها. يلجأ للمستشفيات للتخفيف من معاناته لكن لا تؤخذ آلامه على محمل الجد بسبب كثرة زياراته، أو قناعة الطبيب أن لا علاج له، فلا يبذل الجهد اللازم لمساعدته أو معاملته كمدمني المخدرات والنظر له بملامة وكأنه هو مَنْ تسبب بهذا المرض لنفسه!

في المقابل، يواجه الأطباء مشكلة إقناع بعض مرضى السكلسل أو أولياء أمورهم بأخذ العلاج المناسب أو التقيد بالتعليمات الطبية، التي تساعد على التقليل من نوبات الألم. تحدثنا سابقاً عن دواء الهيدروكسي يوريا، الذي له كغيره من الأدوية، آثار جانبية غير مرغوبة لكن يعتبر الكثير من مصابي السكلسل هذا الدواء رحمة لهم من الله لفعاليته في تقليل عدد النوبات. على الرغم من أن معاناة مرضى السكلسل كبيرة وخياراتهم قليلة، ومع ذلك يرفض الكثير من المرضى أو أولياء أمورهم استخدامه خوفاً من تأثيرات جانبية تعتبر أقل أهمية مقارنة بالمحافظة على حياتهم، إضافة لأنه بالإمكان تجنب الكثير من المعاناة والمضاعفات والحصول على استجابة أفضل للدواء عندما يبدأ المريض باستخدامه في سن صغيرة.

 

لقد وفرت الدولة تحاليل ما قبل الزواج مجاناً للحد من الأمراض الوراثية لكن لم تفرض على المواطنين أي قرار بخصوص الزواج من عدمه في حال كانت نتيجة التحاليل ليست متوافقة، بل تركت لهم الخيار معتمدة في ذلك على نضجهم وإحساسهم بالمسؤولية تجاه أنفسهم، عوائلهم والمجتمع ككل. يخبرني بعض الأطباء عن الصعوبة في إقناع البعض بخطورة الزواج بعد استلام فحص ما قبل الزواج واكتشاف عدم ملاءمة الطرفين لبعضهم البعض. من أكثر أسباب إصرار المصابين على الزواج هو الحب، الذي لا يعتبر سببا كافيا لإنجاب طفل من رحم معاناة وليعيش معاناة. سبب آخر تكرر أيضاً هو الحرج، الذي بالإمكان أن تشعر به العائلتان بعد اتفاقهما على الخطبة ثم الانسحاب بعد استلام نتيجة التحليل. إن حرج لحظة خير من معاناة حياة كاملة والمشاركة في تسلسل للأمراض الوراثية مستديم تتناقله الأجيال بلا نهاية.

تنحصر مشكلة مرض فقر الدم المنجلي بالمجتمع في نقطتين رئيستين: الأولى هي رعاية المواطنين المصابين حالياً وتوفير مراكز متخصصة في التعامل مع هذه الحالات بإشراف استشاريي أمراض الدم وتوفير عدد كافٍ من الأسرة والأدوية وإعداد بروتكولات واضحة للتعامل مع مريض السكلسل كي لا يضطر للانتظار فترة طويلة متجرعاً آلامه. الثانية هي منع حصول إصابات أكثر في المستقبل. لقد تحدثت مع الكثير من الأطباء ومرضى السكلسل وخرجت ببعض الحلول، التي ربما يكون تطبيق بعضها صعباً لكن ليس مستحيلا. لتفادي إنجاب طفل مصاب بفقر الدم المنجلي، يجب أن يكون أحد الوالدين سليم تماماً من الجين المصاب، وهنا تبرز أهمية اقتناع المجتمع بخطورة زواج المصابين أو الحاملين للمرض.

من الحلول الأخرى زواج الحاملين أو المصابين مع تجنب الإنجاب، خصوصاً للمتزوجين عن حب. قرار مثل ذلك هو قرار صعب يجب أن يدرس جيداً لضمان عدم حصول حمل غير مقصود أو تراجع أحدهم عن التزامه لاحقاً.

من الحلول المطروحة أيضاً هو الزواج والإنجاب باختيار الجين السليم وتلقيحه عن طريق الأنابيب بالجين المصاب من الزوج للحصول على أطفال حاملين فقط للمرض لكن هذا الحل مكلف جداً، خصوصاً لو أراد الزوجان إنجاب أكثر من طفل.

كاتبة صحفية