شكراً أيتها الفئران !!

 أعلن جهاز الأمن الرئاسي الروسي عن حاجته إلى فئران بيضاء وأبدى رغبته بشراء 3200 فأرة بيضاء يتراوح وزن الواحدة منها بين 16 و18 غراما، لقاء مبلغ لا يزيد على 500000 روبل (حوالي 20800 دولار أمريكي) .

 وذكرت صحيفة "ارغومينتي نيديلي" التي نشرت الخبر أن جهاز الأمن الرئاسي يحتاج إلى الفئران البيضاء للتحقق من صلاحية المواد التي تستخدم لطهي طعام رئيس الدولة، مشيرة إلى أن المحافظة على سلامة الحكام اقتضت منذ العصور الوسطى أن يجرب أحد الحراس الطعام المعد للملك لكي يتأكد من خلوه من سموم. وإذا ظل هذا الشخص حيا بدأ الملك بتناول طعامه. والآن تسند هذه المهمة للفأرة البيضاء .

 كما ذكرت وسائل الإعلام في العاصمة الصينية بكين أن الفئران قد تم إستخدامها لاختبار صلاحية الأطعمة الأساسية التي تم إعدادها للاعبي القوى في دورة الألعاب الاوليمبية أبان استضافة بكين لها العام المنصرم 2008 م .

 وعلى صعيد آخر تقاضي "الجمعية البريطانية لإلغاء تشريح الحيوانات" الحكومة البريطانية بسبب ما تقول إنه تقاعس عن أداء واجبها في وضع حد لمعاناة الحيوانات التي تتعرض للتجارب المعملية بعد أن أظهرت الإحصائيات الأخيرة ارتفاعا في عدد ما يجري من تجارب على الحيوانات. حيث أجريت 3 ملايين تجربة على الحيوانات عام 2006، وهو ما يعكس ارتفاعا مقداره 4 في المائة عن السنوات السابقة . وقد بلغت الحصيلة الكلية للحيوانات التي أجريت عليها التجارب  2.95 مليون حيوان .

 والجدير بالذكر أن الهامستر السوري (القداد) وهو نوع من الفئران التي تستخدم في التجارب يكتسب أهمية عالمية كونه أصبح اليوم من أهم الحيوانات المخبرية التي تجرى عليها الأبحاث العلمية في أنحاء العالم كافة وخصوصاً المتعلقة منها بأورام الكبد والبنكرياس نظراً للتشابه الكبير بين القناة الصفراوية الكبدية وسوائل المعثكلة بين الهامستر والإنسان إضافة إلى إمكانية تهجينه مع فيبروبلاست بشري ليكون موضع دراسات متطورة في مجال الأمراض الوراثية المتعلقة بأمراض الضمور العضلي واعتلال عضلة القلب واضطراب القلب الاحتقاني وداء السمنة والورم الغدي الكظري الشلل المتنامي للأرجل.
 
 والآن كيف لنا أن نتصور حياتنا من غير هذه الفئران البيضاء الوديعة البريئة التي لها الفضل الكبير على البشرية جمعاء من خلال إخضاعها للتجارب العلمية المخبرية في حقول وميادين العلوم المختلفة ، وتضحيتها بحياتها في سبيل أن نتمتع نحن بالصحة والسلامة والعافية ونحصل على ما نريد من أدوية وعقاقير طبية تساهم – بفضل من الله – في شفائنا من الأمراض الفتاكة التي تهدد حياتنا وتفقدنا الشعور بالصحة والسلام . فما هو البديل لو رفضت الفئران التضحية بحياتها من أجلنا ، وتمسكت بالحياة كحق لها وتمردت على سلطة بني آدم وقامت بثورة حمراء على النظام الظالم المستبد الذي لا يتورع ولو للحظة عن إبادتها ؟؟ 

 دعوني أسوق لكم ما حدث لـ ( فرانك روشيل ) وهو الجندي السابق الستيني  من بين آلاف الجنود في الجيش الأميركي الذين خضعوا لاختبارات كيميائية وبيولوجية واختبارات على أدوية ومعظمها في أدجوود بولاية ميريلاند لتقييم تأثير المواد على الجنود في حال استخدمها جيش عدو . حيث أرغم وزملاؤه على تناول مواد كيميائية إبان الحرب الباردة بين عامي 1950 و1975 م ، ورغم مضي تلك السنوات الطويلة إلاَّ أنها لم تنسه مطالبته الحكومة الأميركية بتعويضات عن حقن عروقه بمواد لم تكن مختبرات الأدوية تريدها . ألم يستخدموا جسده بمثابة فأر أبيض ناهيك عن زملائه المماثلين ؟!! 

 ثم ألا نرى كل يوم عبر الشاشة الفضية تلك الأشلاء المتطايرة من جراء تفجير من يلفون أجسادهم بالأحزمة الناسفة ( قربة إلى الله تعالى ) فتذهب معهم أرواح الأبرياء الآمنين من الأطفال والنساء والرجال والعاملين والعلماء في الجامعات والمدارس والمصانع والشوارع والمقاهي والمساكن . أليس بالإمكان توظيف تلك الفئران الجميلة ( لو كان ذلك ممكناً لهم ) بدلاً من إستغلال الأطفال من ذوي الإحتياجات الخاصة والمعتوهين لإنجاز هذه المهمة الدنيئة . 

 ومن جانب آخر فجّر أحد النواب في لجنة الصحة في مجلس الشعب المصري قنبلة من العيار الثقيل عندما كشف عن استخدام إحدى شركات الأدوية وتدعى « جونسون فارما »  الشباب المصري كـ « فئران تجارب» لاختبار فعالية بعض العقاقير الجديدة التي تنتجها الشركة  وقال النائب عن كتلة « الإخوان المسلمين » إن الشركة أغرقت جدران جامعة القاهرة (كبرى الجامعات المصرية) بإعلانات تطلب فيها توظيف عدد كبير من الشباب مقابل مرتبات مغرية مستغلة تزايد معدلات البطالة . كما نشرت إعلانات في عدد من الصحف تحمل نفس المعنى، وفوجئ الشباب الذين تقدموا إلى العمل بالشركة أن الوظيفة المتاحة هي اختبار أحد العقاقير الجديدة عليهم من خلال حقنهم بجرعات متدرجة من العقار والقيام بتحليل دم منتظم لهم          ( لمعرفة النتائج ) !! 

 هل إكتشفتم الآن لماذا يتوجب علينا تقديم الشكر تلو الشكر إلى الفئران حتى ينقطع النفس لا سيما البيضاء منها والتي لم يشفع لها شكلها الأنيق وسلوكها الرقيق من أن يعتقها صائدوها من إخضاعها صاغرة حائرة لتجاربهم المخبرية التي لن تنتهي ، وإلاَّ لو إفترضنا إن هذه الفئران إنقرضت أو تمردت فالدور سيأتي علينا لا محالة لتسخيرنا لهذه المهام الجليلة            ( فالأقربون أولى بالمعروف ) أليس كذلك ؟ فنحن ( البشر ) نتفوق على الفئران بتوفر الخبرة لدينا . أفليس الفقراء فئران تجارب لأغنياء الحضارة الغربية المعاصرة ؟ فالحال من بعضه .
         دمنا جميعاً سالمين غانمين في هذا البلد الأمين بعيداً عن كيد الطامعين ، ونزق المغرضين ، وفخاخ المتصيدين ، وعبث العابثين . اللهم آمين .

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 4
1
المستقل
[ ام الحمام - القطيف ]: 21 / 1 / 2010م - 6:43 م
الأستاذ الحكيم / أبو علي
غريب هذا الإنسان مجموعه من المتناقضات تراه تارة قلبا رحوما و تارة تراه يملك قلبا أقسى من الحجر .الإنسان عندما لا يمتلك وعيا دينيا حقيقيا ينظم حياته يستطيع أن يأخذه الخيال إلى أقصى ما يمكن حتى يحقق ما يصبوا إليه من خلال تسخير كل الخلق سواء كان بشرا أو غير بشر. الإنسان للأسف من طبعه استعباد كل المخلوقات حتى يتسنى له العيش في رغد على حساب سائر المخلوقات. ما نراه على ارض الواقع و من خلال وسائل الإعلام كيف تحاول الدول الكبرى جاهدة بكل الوسائل لاستعباد الدول النامية للاستفادة من ثرواتها و طاقاتها . الدول الكبرى تختلف طرق استعبداها حسب اختلاف المكان و الزمان . نراها تريد استعباد الشعب العراقي من خلال ترسيه الديمقراطية و تحقيق الأمن على الأرض و نراها تحاول استعباد دول أفريقيا من خلال خلق التوتر الأمني و تحريك العصابات و خلق الفوضى. كذلك نراها تحاول استعباد الشعب الإيراني من خلال ألمطالبه بحقوق هذا الشعب من خلال حرية الرأي و التعبير. و نراها تحاول استعباد شعوب دول الخليج من خلال تكريسها للحكم الملكي ( لا للبرلمانات المنتخبة ) و نراها ونراها و نراها. هل هذا الإنسان الذي لا يجعل حرمة لأخيه الإنسان كيف له أن يجعل حرمة لسائر المخلوقات.
و أخيرا أقدم اعتذاري للفئران و نقول لهم نحن و أنتم على حد سواء حيث سيف البغي مسلط على رقابنا كما هو مسلط على رقابكم و ربما يسلط على رقابكم بمقابل و يسلط علينا بلا مقابل.
و دمت لنا حكيما و موقفا ثابتا لا يتغير بتغير الزمان و المكان
2
ابراهيم بن علي الشيخ
22 / 1 / 2010م - 8:28 ص
أخي الحبيب : المستقل
طابت نفسك ، وشعّ فكرك ، وحسُنت نيتك ، وحماك الله من كل متسلط لا يؤمن بيوم الحساب وكفانا الله وإياك والمؤمنين شر من يبني سعادته على بؤس الآخرين - كما يُفعل بالفئران - أما الأبعاد التي أخذت المقال إليها فتلك قضيةٌ أُخرى ....... تحياتي .
3
فائق المرهون
[ السعودية - ام الحمام ]: 22 / 1 / 2010م - 3:59 م
الأستاذ ابراهيم / وفقه الله
ألا يعتقد جنابكم الكريم أن الدور قد حان منذ زمن بعيد على الإنسان وتم تحويله لمحرقة تجارب ومن الأمثلة على ذلك ماحدث لليابانيين عام 1945 خلال الحرب العالمية الثانية حين قامت القاذفات الامريكية برمي قنبلتين ذريتين على مدينتي هيروشيما وناجازاكي ,فساهمت بشكل أو بآخر في تغيير معادلة الحرب بعدها , وقس على ذلك حرب الخليج الثانية والثالثة !!
عزيزي / خضت صعبا ونجحت فيه , ولججت بحرا فأحسنت العوم فيه , رعاك الباري .
4
ابراهيم بن علي الشيخ
22 / 1 / 2010م - 7:14 م
أخي الموقر : الأستاذ فائق المرهون
أشكرك على تواصلك الجميل ، ورأيك الأصيل ، وشهادتك التي أعتز بها ، وعباراتك التي أرتوي منها . وفقك الله أيها الغني بالمعرفة ، العابق بالأخوة الصادقة . تحياتي .
إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية