أرخصوها أنتم

مع كل موجه ووتيرة لإرتفاع بعض أسعار السلع في بين فترة وأخرى، ولا سيما هذه الأيام التي نعيشها، نجد البسطاء والمستضعفين في أرض الله، يجهرون ألماً بالسوء من القول إلا من ظلم والله كان سميعا ً عليما، حول كيفية التأقلم أو التعايش مع شجع التجار والبائعين كما يسمونهم ويسعى البعض ولا سيما الخصم المنافس للتاجر الآخر لتسقيط منافسيه من التجار ورجال الأعمال بكل ما يملكون من قوَّة متفانين في ذلك وباذلين الغالي والنفيس.

وأستناول في هذه العجالة نبذه مختصره عن التجارة واسباب غلاء الأسعار وحلولها أي كيفية مواجهة غلاء الأسعار.

لقد وردت النصوص الشريفة من الكتاب والسنة تحث على التجارة، وتبين فضلها وبركتها، والاستغناء بها عما في أيدي الناس والعمل لدى الغير، قال تعالى: ﴿وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ «المزمل: 20».

وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ «الملك: 15»، وأيضا ً قال: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ «الجمعة - آية 10».

قال الإمام علي : «اتّجروا بارك اللّه لكم، فإنّي سمعت رسول اللّه يقول: الرزق عشرة أجزاء، تسعة في التجارة، وواحد في غيرها» «1».

فمن الناحية الشرعية لم يحدد الشرع مقداراً معيناً للربح والسبب تسعة أجزاء الرزق في التجارة كما صرح رسول الله ، إذ يحق للبائع بيع بضاعته بالمبلغ الذي يراه ويضعه هو ولا يحق للمشتري بعد شراء السلعه مخيرا وبرضاه الاعتراض على السعر أو إغتياب أو نميمة او التشهير بالبائع أو حتى التحريض عليه.

فلو أن بائعاً بائع سلعة ما رأس مالها 10 ريال الحقيقي وقام ببيعها بالضعف 20 ريال أو حتى بالضعفين أو بأي مبلغ، والمشتري أشترى السلعة مخيرا ًمن نفسه وبرضاه لا مكرها ً ولا مجبرا ً، فلا أشكال على البائع.

نعم يكره كراهه شديدة على «البائع/المؤمن» أن يربح من «المشتري/المؤمن» الربح الزائد «الربح الفاحش» وفوق الحاجة.

وقد يكون المسبّب للرخص والغلاء من اللّه سبحانه وتعالى، وقد يكون من العباد / التاجر «التحكم - احتكار الاسعار»، فإن كان المسبّب هو اللّه تعالى، فإنّه تعالى لا يفعل إلاّ ما فيه العدل والحكمة.

وإن كان المسبّب هم العباد، فكلّ فرد يستحق المدح والثواب إزاء فعله للخير، ويستحق الذم والعقاب إزاء فعله للشر.

ومن الأحاديث الشريفة الدالة على التدخّل الإلهي في مسألة الأسعار، قال رسول اللّه : «…إنّما السعر إلى اللّه عزّ وجلّ، يرفعه إذا شاء ويخفضه إذا شاء» «2».

قال علي بن الحسين :“إنّ اللّه تبارك وتعالى وكّل بالسعر ملكاً يدبّر أمره”«3».

وهنا نجد أن عليا ً يطرح بين أيدينا نظريات وحلولا ً لمكافحة الغلاء، وهي:

أولا ً: ثقافة كراهة كثرة الأكل حتى الشبع:

إذ يستحب أن يكون الإنسان خفيف الأكل، قليل الطعام، وتكره كثرة الأكل، وأن لا يأكل الإنسان حتى يشبع فإنها مضرة بالصحة، مضافاً إلى كونها توجب الانشغال عن العبادة

فقد روي «من قل طعامه صح بدنه وصفا قلبه، ومن كثر طعمه سقم بدنه ويقسو قلبه» «4»، وعن عمرو بن إبراهيم قال: سمعت أبا الحسن يقول: «لو أنّ النّاس قصدوا في الطّعام لاستقامت أبدانهم» «5»، وعن أبي جعفر قال: «إذا شبع البطن طغى» «6».

ثانيا ً: ثقافة استبدال السلع:

وهي ثقافة إرخاص السلعة عبر إستبدالها وشراء بسلعة أخرى.

فعن رزين بن الأعرج مولى لآل العباس، قال: غلا علينا الزبيب بمكة، فكتبنا إلى علي بن أبي طالب بالكوفة أن الزبيب غلا علينا، فكتب أن أرخصوه بالتمر «7».

أي استبدلوه بشراء التمر الذي كان متوافراً في الحجاز وأسعاره رخيصة، فيقلّ الطلب على الزبيب فيرخص، وإن لم يرخص فالتمر خير بديل.

ثالثا ً: ثقافة المقاطعة:

وأحد أنواع المقاطعة هي المقاطعه التجارية للسلعة عبر عدم شرائها وتركها لهم حتى ترخص.

جاء في الأثر جاء الناس إلى علي ، وقالوا: نشتكي إليك غلاء اللحم فسعّره لنا، فقال: أرخصوه أنتم؟ فقالوا: نحن نشتكي غلاء السعر واللحم عند الجزارين، ونحن أصحاب الحاجة فتقول: أرخصوه أنتم؟ فقالوا: وهل نملكه حتى نرخصه؟ وكيف نرخصه وهو ليس في أيدينا؟ فقال قولته الرائعة: اتركوه لهم. «8».

 

١- من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق: ج3، ب61: باب التجارة، ح6 [510] ص120.
٢-التوحيد، الشيخ الصدوق: باب القضاء والقدر و … ، ح33 ، ص377 ـ 378 .
٣- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب القضاء والقدر و…: ح34، ص378.
٤- مستدرك الوسائل: ج16 ص210 ب1 ح19622..
٥- المحاسن: ج2 ص439 ب37 ح296.
٦- الكافي: ج6 ص270 باب كراهية كثرة الأكل ح10.
٧-٨ : موسوعة تاريخ إبن معين (يحيى بن معين) / الجزء الأول - ص ١٢٢ ، تحقيق محمد السيد عثمان راوية الدوري ، طبعة دار الكتب العلمية / لبنان - بيروت