أزمة الاختيار الحرج

 

س: اختر الإجابة الصحيحة، أيهما أفضل:

-          أن يقتلوك بضربة سيف أم بإبرة سامة؟

-          أن يحكمك مسلمٌ جائر أم كافر عادل؟

-          أن تصبح عاطلاً أم مروجاً؟

 

إن إحدى معوقات نهوضنا الحضاري ركوننا إلى معادلة من الدرجة الثانية ذات متغيرين، واستنزافنا الوقت والجهد والطاقات في فك مجهوليها (س،ص)، والتي تؤوَّل بصورة (س= سالب) وَ (ص= صفر)!!، وكأننا دائماً محصورون في الزاوية، ولا نملك سوى مصيرين: (إما مسموم أو مقتول)!

إن الحكم تحت قانون الطوارئ لا يطبّق على مجتمعاتنا الإسلامية سياسياً فقط، بل وفكرياً وسلوكياً، فدائماً ما يُصوّر لهم بأنهم في حالة اضطرار وإرباك، فإما ألا نفسر القرآن ولا نتدبر أو سنقع في شَرَك التفسير بالرأي والأهواء، وهذا العالِم إما عامل مجاهد أو فاسق متنطع، وهؤلاء الشباب أمامهم خياران لا ثالث لهما: إما (ممارسة) الرياضة عبر التمرين الوحيد وهو (مشاهدة) المباريات الواحدة تلو الأخرى حتى الثمالة أو متابعة أفلام ماجنة هابطة إلى آخر قطرة!، بل وحتى أنت عليك أن تختار وبسرعة: إما أن تشغل نفسك بهواية جمع الطوابع أو ستقع فريسة الإدمان وربما الزنا والعياذ بالله!!

أنا لا أشخّص أزمتنا بأننا مصابون بمتلازمة (أبيض/أسود) بمقدار إصابتنا بمتلازمة (أسود/رمادي)، وهي قاعدة جهنمية، فأي شريعة سماوية تلك التي تحمل قانوناً ينصّ على أن الحياة لا تحوي غير هذين اللونين الأسودين الأجوفين فقط؟، أليس ثمة ألوان الطيف السبعة؟ بل أليس ثمة آلاف الألوان في الطبيعة متباينة ومنسجمة في ذات الوقت؟ فلماذا نقيّد أنفسنا إما بالغرق في المحيط أو في كوب ماء إن كان كلاهما غرقاً في النهاية؟!

الخيارات كثيراً ما تتسع وتنفتح ولكننا نحن من ألزمنا أنفسنا بالأغلال، لذا ليس من الغريب أن نجد النهي عن الثنائية ذات الحدَّين المقيتَين ضمن سورة الفاتحة التي نكررها كل يوم في قوله تعالى: ﴿غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (7) سورة الفاتحة، ورحم الله القائل: (العافية أحب إلي مما يدعونني إليه). إلا أننا على صعيد نقضيّ نجد –وللأسف- من يقتطع نصوصاً شرعية أخرى من مناخاتها وظروفها الاستثنائية ليجعلها بمثابة قاعدة كلية وصبغة عامة.

إن هذه الحِدِّية من التفكير الثنائي النمطي لا تدخلنا إلا في المزيد من الأزمات والعقد، إذ تعمي أبصارنا عن الكثير من البدائل الرشيدة، فهناك بديل ثالث إن اتّبعنا القسمة الثلاثية، ورابع في الرباعية، بل وخيارات هائلة وغير محدودة عند تطبيقنا لتقسيمات حرة لا تخضع للغة الأرقام والأبعاد والزوايا، ولكن شريطة ألا تصطبغ كل تلك الخيارات بلون قاتم! إذاً، ما علينا سوى أن نفتح عيننا الأخرى لنبصر ما تبقى من اللوحة.

وإن أردت أن تعرف إلى أيّ مستوى نحن مصابون بما أسميه: متلازمة (أسود/رمادي) أو حمّى (الاختيار الحرج) المزمنة، فعليك أن تستقرئ كم من القرّاء اختار إحدى الإجابتين في السؤال الافتتاحي، وكم منهم قال: "إن السؤال خاطئ، فقد كان من الأجدر ألا يقول: أيهما أفضل بل أيهما أسوأ"!

 

وأخيراً، هل أنتم الآن (معي) توافقوني، أم (مع الإرهاب)؟!

كاتب وقاص من العوامية - موظف بكلية طب الأسنان بجامعة الملك سعود- فني تركيبات.