صخب الحال

 

 

كثيراً ما أسأل نفسي: لماذا أصحاب الثقافة والفكر لا يطبعون ما يكتبون على حسابهم الخاص؟!

هل لا يملكون إلا قوت يومهم؟

أم أنهم يقولون ما لا يفعلون؟

أم يسكن دواخلهم القصور المُجمل؟

هذا من جانبٍ، والجانب الآخر كم عُمرنا، وكم سنعيش على ظهراني التُراب، والسؤال الأجدر بالتوثيق لذلك هُنا: ما هي الإنجازات المرافقة للمُحصلة العُمرية، والفكرية، والثقافية المتبلورة بكل فردٍ منا؟!

أتعجب من أُولئك الذين شكلوا السرائر، وافترشوا النوادر، ووثقوا الصغائر.. لم يقدموا ذاتهم كما يليق بها من دلالة ومدلول.. فكيف يطلبون التغيير من غيرهم ويتناسون أنفسهم؟!

فإذا كان كذلك لماذا نكتب ويكتبون.. إذا ما كانت كُسيرات الخُبز مُلقاة على الطريق، وتبحث عن كفٍ تلقم فاهها ومفادها؟!

على كلٍّ، فالبعض يُدير مؤشر البوصلة نحو نفسه بالقول السائد: لدي أكثر من إصدارٍ حبيس الأدراج، ويبحث عن مظلة، أو يدٍ طائلةٍ بالليونة والرخاء لإخراجه من سياج القضبان!

وحينما تمر عليه النواعر، وتُشكله الصواعر بتعداد السنون، وترفل المتون، يصرخ متزملاً: إن حبيس الأدراج لا يُمثلني الآن!

ولا علم لي بهذا، أليس كل كتابٍ أو نتاجٍ وليد مرحلةٍ عُمرية، وقناعة محورية، يبقى أصلها، ويتجدد فرعها وآخرها؟!

والبعض منا يأنس بتكرار الدائر، وتمجيد النوادر في «مو ناقصك يا بو فلان إلا طباعته»..

ليبقى الحال بالحال يرتجي السؤال!

ختاماً:

ما حال من يبخل على فمه بكوب ماءٍ، ويأمر بسقيا الضجيج بنقد الظاهر والمظاهر؟

حيث يتجلى الزاهر، ويصدح المفاخر بالمقارنة والمفاضلة بين الكاتب، والمؤلف الطابع والناشر..

فالأول يكتب لمحيطه، والثاني يكتب لعالمه وللأجيال القادمة من بعده.

لذا، فأيُّ قولٍ نوثقه حين يترجل العمر منا بالأرض لكتابة الشاهد، ليقال في التأبين والرثاء الخطابي: لم يعرفه أبناء مجتمعه، فلديه سبعة إصداراتٍ قيد الطباعة؟!

نعم، ففي المقابر يكرّم المبدعون، فالرحمة والبركات على من أمر وفتر، وكان ذكره يؤثر!