علم الغيب: استقلاله وتعليمه

تنظيم الإحياء: لجان الولاية بث: مجلس العقيلة النسائي

«فمن لحق بي استشهد معي ومن تخلف لم يبلغ الفتح». بهذا المطلع استهل سماحة السيد مجاهد الخباز «دامت توفيقاته» سلسلته البحثية لعاشوراء هذا العام 1439 هجرية، بأطروحة علمية ذات نهج نقلي تحت عنوان: علم الإمام الحسين بتفاصيل شهادته - شبهات وردود.

مفتتحا مقالة مقامه بإيراد شبهة لبعض المثقفين، مفادها: اقتضاء علم الإمام بتفاصيل مصرعه لمناقضة ما ورد في صريح كتاب الله المبين: «وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوت» مسبقا سماحته نقاشه لهذا الاشتباه بتأكيد أنه أمام فكرة لعلاجها علميا لا أمام أشخاص بعينهم.

فبدأ بمدارات ثلاثة. تكلم في الأول عن البحث الديني وانقسامه إلى عام وتخصصي، وأن الغيب من شؤون الدين التخصصية التي لا تتوفر للعامة دون مساعدة أهل الاختصاص، موردا على هذا الأمثلة التي من شأنها التقريب والإيضاح، ومفندا قدرة آية - تتكئ عليها الشبهة -  أن تمثل كامل الموقف القرآني من قضية حساسة هي علم المعصوم بالغيب من دون الرجوع إلى بقية الآيات في ذات الموضوع ودراسة الروايات الواردة بهذا الخصوص. فالغيب غيبان: غيب استقلالي، وآخر: تعليمي من ذي علم، والأول لله، والثاني للمعصومين منه تعالى. وفي ذينك آيات، وروايات إلى حد التواتر. ثم أسهب في المدار الثاني إثباتا لذلك كله للمعصومين عامة، وللحسين خاصة، بالمناقشة والتوجيه وعرض أوجه الجمع والشواهد على النتائج.

أما المدار الثالث: فرد فيه تعميم العقلاء بأن كل إلقاء للنفس في التهلكة قبيح، مستثنيا من ذلك بأمثلة لها من الحسن والفضل والكرامة ما لها، مثل: الجهاد بين يدي رسول الله . مشيرا «حفظه الله» إلى مباني التكاليف الشرعية للمعصومين ، وأنها منوطة بالعلوم الظاهرية بمعزل عما اختصهم الله به من ولاية تكوينية أو علوم غيبية ارتضاهم لها. فهم وإن علموا بالغيب - ومنه تفاصيل شهاداتهم - تراهم يعملون بظاهر الأمور والحوادث ويقبلون من الله ما يكلفهم به خاصة ويختاره لهم دون العالمين، كما في أمر الحسين وقوله: «شَاءَ اللهُ أَنْ يَرَانِي قَتِيلًا».

ولمثل هذه المشيئة تتجلى أعلى رتب الطاعة لله والتسليم لأمره والرضا بقضائه وحكمه الذي نحمده عليه في ندبتنا مهديه كل جمعة: «اَللّـهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلى ما جَرى بِهِ قَضاؤكَ في اَوْلِيائِكَ الَّذينَ اسْتَخْلَصْتَهُمْ لِنَفْسِكَ وَدينِكَ». صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.