نحن والعلم: أي علاقة؟!

لو رجعنا إلى مادة «ع ل م» في المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم لمؤلفه محمد فؤاد عبد الباقي لرأينا مدى التركيز القرآني الكبير على ذكر هذه المادة في هيئاتها المختلفة، مما قد يعتبر منبها إلى أهمية العلم والمعرفة العلمية في الحياة البشرية بشكل عام. وهو ما تؤيده جملة وافرة من الآيات الشريفة في توجيهاتها الكثيرة في هذا الباب يمكن أن نصنف بعضها تحت عناوين مختلفة:

العنوان الأول: النهي عن العمل بغير علم:

ولعل أجمع آية لهذا العنوان قوله تعالى: «وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً». فالآية «تنهى عن اتباع ما لا علم به، وهي لإطلاقها تشمل الاتباع اعتقادا وعملا، وتتحصل في مثل قولنا: لا تعتقد ما لا علم لك به، ولا تقل ما لا علم لك به، ولا تفعل ما لا علم لك به لأن في ذلك كله اتباعا».

العنوان الثاني: إنكار الممارسات غير القائمة على العلم:

فمن ذلك قوله تعالى: «إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ» وقوله: «وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ» وقوله: «وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُّنِيرٍ».

العنوان الثالث: مطالبة الآخر بالعلم أو الدليل العلمي:

من ذلك قوله تعالى: «سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ» وقوله: «قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ».

العنوان الرابع: ربط السلوك العملي بتحقق العلم:

كما في قوله تعالى: «فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ» وقوله: «فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا».

العنوان الخامس: النهي عن اتباع الظن والأهواء وإنكار ذلك:

ومنه قوله تعالى: «مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ» وقوله: «إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى» وقوله: «وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا».

هذا غيض من فيض، وإلا فالعناوين كثيرة للآيات المباركات التي تحث على إقامة الحياة كلها على أساس العلم ومقتضياته. لكن الغريب جدا أن مجتمعاتنا الإسلامية التي تتلو القرآن ليل نهار بعيدة كل البعد عن المنهج العلمي في جميع شؤونها، ولذا يعيث فيها التخلف وينمو فيها الجهل.

لنأخذ مثالا بسيطا من واقع حياتنا. كثيرا ما يدخل الناس في مخاصمات ومحاججات دون أساس علمي متين، أي بلا حجة علمية أو برهان مبين. وينتج عن مثل ذلك في الغالب عداوات وخصومات ومشاحنات، ويبقى محل النزاع دون تحرير. وهو ما نهى عن مثله القرآن الكريم في قوله تعالى: «هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ».

إن مجتمعاتنا أمام خيارين؛ إما أن تكون مجتمعات علمية تُقدر العلم والعلماء والمعرفة العلمية والمنتج العلمي، أو أن تكون خارج العصر.

شاعر وأديب