عنف وإرهاب باسم الدين

تقع بين فترة وأخرى حوادث وأعمال عنف وحشية دموية فظيعة، يذهب ضحيتها أعداد كبيرة من الأرواح البريئة بين قتيل وجريح، وخسائر ماديه مختلفة، بالإضافة إلى ما تخلفه من أضرار وآثار نفسية ومعنوية جسيمة، يصعب ترميمها وعلاجها وإعادة إصلاحها في فترات زمنية قصيرة.

ومثل هكذا أعمال وحوادث مأساويه قاسية تستهدف الأفراد والجماعات كما الدول، تؤدي إلى إزهاق الأرواح البريئة، وتخلف من الخسائر المادية ما يطال المنشآت والممتلكات، وتؤدي إلى تخريبها وتدميرها، بالإضافة إلى ما يصحبها من خسائر مادية ومعنوية جمة وباهظة.

إلا أنه مع الأسف الشديد أن ما نشاهده من أعمال عنف متكررة، دائماً ما تُنسب حال وقوعها، أو تتبناها جهات وفئات وأطراف تدعي انتسابها إلى الدين، وتُصنِّف أعمالها هذه في خانة الأعمال الجهادية، وهو ما يدعو إلى التوقف عنده، والتأمل والتفكير فيه، إذ كيف يمكن تصور وقوع أعمال عنف وحشية ودامية يذهب ضحيتها الآلاف منالأبرياء، ثم يتم تبريرها باسم الدين؟

إن أعمال العنف باسم الدينظاهرة لها أسبابها، وليست نبتة معزولة، أو من دون وجود سياق تاريخي تطورت فيه، فهي ظاهرة اجتماعية نمت عبر عقود من الزمن في ظل ظروف وتحولات اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية تحمل في طياتها الكثير من التناقضات، وهو الأمر الذي يتطلبفهم أبعاد وأسباب مثل هذه الظاهرة، وعوامل تفاقمها، وكيفية التعامل معها وعلاجها.

وحسب رأيخالد المهيدبفي جريدة الرياضفإن أعمال العنف الوحشية التي يعاني منها العالم الإسلامي، والتي يتم ارتكابها باسم الدين، "يعود إلى بروز مناهج فكرية متطرفة تصطبغ بصبغة شرعية، تحمل في أطروحاتها المعلنة إقامة شرع الله تعالى وتحكيمه، ويتوشح رموز هذا الفكر لبوس العلماء، وسمت طلبة العلم ظاهراً، ويستندون إلى ظاهر نصوص يكيفونها ويؤولونها وفقاً لأجندتهم وأطماعهم السياسية، ويستغلون أحوال المسلمين وما حل بهم في أقطار شتى من بقاع المسلمين من قتل وتهجير لإثارة وتهييج المشاعر، والتوشح بمظهر المنتصر للدين ولرفع الظلم والقهر عن إخوتنا المسلمين.

ويلفتالمهيدبإلى أن خطاب النصرة والانتصار، والعزف على إقامة الشرع، وإظهار الشعائر، والادعاء بإقامة الحدود، استهوىشريحة من الشباب المسلم الصادق، الذي تسيُّره الغيرة على الدين، والانتصار لإخوانه المسلمين، للتصديق بتلك الشعارات، ومن ثم الانضمام إلى تلك التنظيمات السياسية الدموية، التي تستحل الدماء، وتستبيح التكفير والاقصاء لمجرد المخالفة الفكرية، حيث استغل حملة هذا الفكر كافة الوسائل والتقنيات الحديثة للوصول إلى أكبر شريحة من الشباب، ودغدغة مشاعرهم، والسعي لاستقطابهم واستمالتهم. "

لقد ابتليت أمتنا بظهورمثل هذه التيارات الدينية ذات المناهج الفكرية المتطرفة، التي تستغل حالة الاضطراب والفوضى التي تمر بها بعض البلدان، وما تمر به من أوضاع غير مستقرة، حيث الحروب الخارجة عن نطاق السيطرة، وتنامي الصراعات الدينية والطائفية والمذهبيةوالعرقية، حيث يتم توظيف هذ الأحداث المأساوية والمؤلمة لإثارة مشاعر الناس ودغدغتها، وخصوصاً شريحة الشباب منهم، وتهييجهم، والسعي إلى استقطابهم واستمالتهم للانضمام إلى الجماعات الإرهابية، التيترتكب أبشع أعمال العنف وحشية ودموية، من دون رحمة، ومن دون وازع من دين، أو وازع من ضمير، وبطريقة تقشعر لها الأبدان.

أن احتمال سقوط الشباب المسلم في التشدد والانضمامللجماعات الإرهابية وانخراطهم فيها يعود إلى العديد من العوامل، كما يرى سعود البلويفي جريدة الوطن، والتي منها: «التربية المنطلقة من الفكر الديني المتطرف المفضي إلى قيم تتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل تسهم في كراهية الذات والآخر على السواء؛ ولا سيما في ظل شيوع مبادئ المنع والتحريم، وانحسار الخيارات الثقافية والإبداعية، بحيث كلما تقدم جيل في العمر أصبح أكثر تشدداً وجهلاً بالنسبة لسابقه، مع ضعف في القيم المدنية وعدم وجود مؤسسات مجتمع مدني فاعلة، وهشاشة النظم السياسية القائمة على زيف الديمقراطية، وانتشار الفساد والهدر المالي، وسوء توزيع الثروات الوطنية في ظل ضعف اقتصادي، وتآكل الطبقات الاجتماعية متوسطة الدخل، وانتشار الفقر وضعف الخدمات الصحية، وشيوع ظواهر التهميش المجتمعي والسياسي للشباب، وتكريس »الجهل المؤسس« في التعليم الذي يفترض أن يكون تعليما مدنياً».

لقد ارتكبت الكثير من أعمال العنف الوحشية البشعة باسم الدين، بعد أن تمكن الفكر الاقصائي التكفيري منالتسللإلى عقول الشباب، الذين يذهبون ضحية التثقيف الدينيالمغلوط، والفهم الخاطئ للدين، وضحالة التحصيل المعرفي، وضئالةالمعرفة بالإسلام، فهم يخضعون لعلميات غسل أدمغةتخترق عقولهم من دون وعي، ودروس تنمي فيهم روح التعصب والعنفكوسيلة لتحقيق الأهداف، متوهمين أنهم بهذه الأعمال الدموية الشنيعة يؤدون واجبهم الديني، ويقومون بأعمال جهادية تدخلهم الجنة ومعانقة حور العين.

غير أن حماية عقول الأجيال الشابة من اعتناق هذا الفكر، أو الوقوعفي مصيدة الجماعات الإرهابية، والحدّ من انتشار هذه الظاهرة التي باتت تهدد العالم أجمع، يتطلب بذل جهد إصلاحي علميمكثف، ووفق رؤية واضحة ومحددة، يساهم في تقويمالانحراف الذي سلكه معتنقي هذا الفكر الضال والمنحرف والمتطرف، وهو الأمر الذي يتطلب مراجعة وسائل وأساليب وطرقعملية التثقيف، من أجلحمايةشباب اليوم والأجيال الصاعدة من شراكأفكار التعصب والتطرف والغلو، والتي تهيئ مناخ نمو الظاهرة الإرهابية، والانجرار إلى ارتكاب الأعمال العنفية.

إن الظاهرة الإرهابية لا تحدث هكذا بين عشية وضحاها، بل هي أفكار تبدأ من الرؤوس، قبل استخدام الفؤوس، كما هو القول الدارج، فهي ظاهرة تنمو وتتطور مع الزمن، حتى تتحول إلى سلاح قاتل، وأعمال عنف وإرهاب مدمره. لذلك فإن التغيير المرجو حدوثهيبدأ من الرؤوس، أي من خلال عملية التثقيف الإيجابي.

وحريٌ القول بإنهذا الأمر يعد من واجبات كل النُخبالعالِمة في هذه الأمة، أياً كان موقعها ومستوى حظوتها ونفوذها، حيث يقع على عاتقها تحمل جزء من مسؤولية حماية الأجيال من الانحراف، إذ هي تتحمل مسؤولية تاريخية في هذا الإطار، وعليها أن تؤديدوراً محورياً في التصدي لهذا الفكر المنحرف، والعمل على تحصين الشباب من الوعي الديني المغلوط، ومن تبني الأفكار المنحرفة، والمناهج الضالة.