كي نحمي أوطاننا من التمزق

في خضم ما تمر به العديد من الأوطان من أعمال عنف إجرامية فظيعة، فإن من واجب أبناء الوطن الواحد، ومن كل شرائحه وطوائفه ومذاهبه، نبذ كل ما يثير الفتن والبغضاء، والابتعاد عن الطائفية والنعرات الجاهلية، التي تفرّق ولا تجمع، والتلاحم والتعاون والتكاتف، لدحر الإرهاب والمجرمين والمتربصين والمغرضين والمزايدين، الذين يسعون إلى تفكيك مجتمعاتهم وزعزعة استقرارها، وإثارة الفتن وبث الأحقاد بين مكوناتها، وإضعاف وحدتها ونسيجها الاجتماعي والثقافي.

وإذا كان من واجب أبناء الوطن الواحد استشعار المسؤولية، والمشاركة بفاعلية في صون وحدة بلدهم، والحفاظ على أمنه، والوقوف صفاً واحداً في مواجهة الإرهاب، فإن المسؤولية تقتضي أيضاً تعزيز الوحدة الوطنية، ومنع كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام، وتحمل مسؤولية محاسبة المحرّضين على الإرهاب والمبرّرين له، ممن يحاولون التعبئة والتحشيد، سواء على المنابر التعليمية والدينية، أو عبر وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي.

من الواجب الوقوف بكل حزم وقوة أمام من يريد إشعال فتيل الحروب المذهبية، وكل من يحاول جر البلاد والعباد إلى الاحتراب، وسن التشريعات والقوانين التي تجرم الخطابات الطائفية والتحريضية، ودعوات الفتنة والعنف والعصبية، وتجرم التطرف والإرهاب، وتحول دون إساءة أي مكون من مكونات الوطن ضد الآخر، وتضع مرتكبه تحت طائلة القانون، ومعاقبة أصحاب هذه الخطابات من أجل الحفاظ على الأمن والسلم الأهلي. فمجتمعاتنا أحوج ما تكون اليوم إلى سن القوانين التي تضع حداً لمروجي الفتنة والمحرضين عليها والداعين إليها من وعاض، وخطباء، ومغردين، ومواقع الكترونية، وكتب منشورة، وايقافهم عند حدهم، وعدم السكوت عنهم، وتجريم أفعالهم.

إذا لم يتم تجفيف منابع التطرف والإرهاب، ومعالجة الأسباب، وليس النتائج فقط، وتطهير المناهج الدراسية من مفردات الكراهية والإقصاء والاستعداء، ومراجعة الإعلام ومحتوياته، بشكل يمنع تفشي الأفكار الهدامة، فإن الإرهابيون ومن يقف خلفهم من شرعيون ودعاة متزمّتون لن يتورعوا عن نشر وبث ثقافة التعصب والتطرف واقصاء الآخر وتضليله، وادعاء فساد عقيدته وإخراجه من الملة، سواء كان ذلك التثقيف يتم في المدرسة، أو المسجد، أو الجامعة، أو الإعلام، أو وسائط التواصل الاجتماعي.

إن مقتضى المسؤولية يُوجب أيضاً إيقاف القنوات التي تحرض على الكراهية وتثير البغض وتشرع الموت، وتعمل على بث الفرقة ليل نهار. فالإعلام التحريضي الذي يدخل غرف النوم دون استئذان، يُنغّص على الناس حياتهم ببث السموم في برامج موجهة هدفها إثارة الأحقاد بين مكونات المجتمع، حيث أن الإعلام بكل وسائله وأدواته الحديثة، أصبح بعد الثورة التقنية من أخطر الأسلحة المؤثرة، وهو يستخدم بأقصى طاقته من قبل الجماعات التكفيرية والإرهابية.

كما أنه من المهم أن تلتزم وسائل الإعلام والنشر، وجميع وسائل التعبير بالكلمة الطيبة، وتسهم في التثقيف الإيجابي، وتساعد في تطوير الوعي، والتنمية الثقافية بشكلها الأصيل والهادف، ونشر كل ما يدعم وحدة الأوطان، وحظر كل ما يؤدي إلى الفتنة، أو الانقسام، أو الإساءة إلى كرامة الإنسان وحقوقه.

إذا لم يوضع حد لحالة التجييش ضد الآخر، والسعي إلى تضليله والتحريض عليه، وذلك بتجسيد قيم العدالة والمساواة والشراكة والاعتراف المتبادل، من خلال وجود المؤسسات المدنية والدستورية التي تقوم بتنظيم علاقات الأفراد فيما بينهم، بما يحقق مصالحهم وينظم واجباتهم وحقوقهم، فإن النتيجة الحتمية لفعل التجييش هو تمزيق النسيج الوطني والانحدار إلى الهاوية.

لذلك يمكن القول إنه من دون سن التشريعات والقوانين التي تجرم الخطابات الطائفية والتحريضية، ودعوات الفتنة والعنف والعصبية، وتجرم التطرف والإرهاب، وتحول دون إساءة أي مكون من مكونات الوطن ضد الآخر، وتضع مرتكبه تحت طائلة القانون، ومعاقبة أصحاب هذه الخطابات، بحيث تكون هذه التشريعات والقوانين صريحة لا تقبل المواربة، وإلا فإن كل ما يقال ويكتب، أو سيقال وسيكتب، هو مجرد حبر على ورق، وثرثرة أو كلام إعلامي استهلاكي لا يغني ولا يسمن من جوع.