قلوبنا في ثلاثين يوماً

ننشغل طوال العام عن قلوبنا، وحان الوقت لتلمس هذه القلوب وتحسس احتياجاتها، أفرطنا كثيراً في خدمة هذا الجسد الذي سيأكله التراب، فماذا عن الروح؟!، هل خصصنا شيئاً لها من أيام السنة؟!

هذا شهر الروح أقبل إلينا؛ يمد لنا سماط ضيافة الرب الكريم، ولا عذر لمن تكاسل فيه أو أهمل؛ فالنبي الكريم «صل الله عليه وآله وسلم» يقول: « فإن الشقي من حرم غفران الله»، فلنشمر ذراعي الهمة للاستعداد ليلة هي: «خير من ألف شهر»، لنشد العزم قبل أن نذرف دموع الندم مودعين لهذا الشهر، لنراقب النفس ولندقق في دقائق هذا الشهر، قبل أن نقول: وآسفاه على ما فرطنا فيك يا شهر الصيام!!

رمضان ربيع القلوب، أليس لكل شيء ربيع؟!، فلنحجر إذا على هذا الشهر كل قاطع طريق، وبالأخص أنزيم الشهوات الجارفة فهذا الربيع مخصص للقلوب فقط لا لشيء آخر!!، أمامنا وقفة قرار علينا أن نلزم بها أنفسنا ذاتياً واختيارياً؛ فهذا الشهر شهر الله فلنجعله لله دون سواه، ولنرفع شعار « كفاية» لكل الذنوب والموبقات والشطحات التي مارسناها سابقاً، صفحة جديدة بيننا وبين الخالق نعقدها، فهذا شهر الإنابة والتوبة وما أجمل أن نقرر أن نولد من جديد؛ فشهر الصيام حج مصغر.

نقدمها دعوة عامة لنشكل نسيج الطهارة في مجتمعنا، فكل واحد يهتم بإصلاح نفسه ذاتياً، وفي الأخير سنشاهد النصوع الشامل، في هذا الشهر تتبدل الأحوال والبرامج، حتى أن الليل يصبح نهاراً والنهار يمسي ليلاً، العودة إلى الفطرة تأوب إلى أصحابها بعد طول انقطاع، فالمصحف الذي علاه الغبار يُنفض وتتحرك أوراقه تلاوة، وسجادة الصلاة التي تطوى سريعا يطال الوقوف عليها، والدعاء المهمول يشنف الاسماع، أما مجالس الوعظ والذكر معمورة في المساجد وغيرها، كلها مؤشرات رائعة للاستقامة على خطة الإصلاح الشامل، فلنكن حبة بيضاء في هذا الموج الطاهر.

أنه شهر البركة والرحمة والمغفرة؛ فالأنفاس لها ثمن يعادله التسبيح والنوم فيه عبادة، أما قراءة القرآن فـ «زبدة» الخيرات والوصية التي لا غنى للمؤمن عنها، فالآية مضاعفة والحرف بعشر، كما ورد: « اتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته: كل حرف عشر حسنات، أمَا إني لا أقول: الم حرف، ولكن ألفٌ حرف، ولامٌ حرف، وميمٌ حرف »

نريد أن نقدم في هذا الشهر سلتين، سلة الاحتراس وسلة الاغتنام، فالأولى فيها كثير من المحظورات منها: «النظر المحرم، الاستماع المحرم، الكلام المحرم، قطيعة الرحم، ومختلف الذنوب»، أما الثانية فيها الكثير من الخيرات منها: « الصدقة، توقير الكبير، رحمة الصغير، صلة الرحم، كفالة اليتيم، التوبة، الدعاء، الصلاة، الاستغفار، التسبيح، قراءة القرآن، طلب العلم، وغيرها»، تعودنا أن لا نأكل شيئاً في النهار، فلنمتنع من أكل الفواكه المحرمة، ولنفطر على الفاكهة الطيبة، وهكذا سيطهر القلب من كل محرم وبالتالي نبلغ رضا الله.

التخفيضات الإلهية مغرية؛ فمثلاً: «تفطير الصائمين» يعدل عتق رقبة ومغفرة، فالتمرة وشربة الماء لها أثر عميق في هذا الشهر، وهكذا الفريضة بسبعين فريضة، والصلاة براءة من النار، وحسن الخلق جواز على الصراط، والآية ختمة، إنه الكرم والمرابحة الحقيقية، فالفراش مسجد والنفس ذكر، فكيف بالمسجد والذكر؟!

ثلاثون يوماً تمضي عجلى سريعة، في كل عام نقول: «ما أسرعك يا شهر الخير، رحلت عنا والنفوس تشتاقك»، هاهو الشهر يعود علينا من جديد، ولا نعلم هل سنكون من ضيوفه في العام المقبل أم لا؟!، فعلينا أن نتزود قبل الرحيل، وقبل أن يغادرنا دون عودة، أو يعود ونحن نسكن اللحود!!