جيران متحابون «2»

في الحديث عن الجار تتكاثر النصوص/ الظباء على «خراش الكاتب»، «فما يدري خراشٌ ما يصيدُ» كما يقول الشاعر. طوائف كثيرة من النصوص المنصبة على موضوع الجار والجوار. طائفة تحدد معنى الجار، وأخرى تؤكد على حسن الجوار، وثالثة تُعرف المقصود بذلك، ورابعة عن حقوق الجار، وخامسة ووو. كان بإمكان نص واحد منها أن يجعل مجتمعاتنا في حالة من التواصل والتكافل الفريدين لو التزمنا به كما ينبغي. يمكنك أن تتخيل ماذا سيحدث بالفعل لو علق كل واحد منا على باب داره الحديث الشريف للنبي : «ما زال جبرئيل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيوَرِّثه»، ثم تمسكنا بمقتضياته في علاقاتنا مع جيراننا، فهل سنشهد ما نراه اليوم من خلافات ونزاعات بين الجيران لأتفه الأسباب؟! أم إن الأمر سيكون مختلفا، فنرى مجتمعا يُعلي من شأن قيم الإيثار والتراحم والتآخي والتزاور، وينبذ التشاحن والتباغض والتدابر؟!

ونظرا لأهمية هذا النص النبوي وضرورة العمل بمضمونه، نرى الإمام علي في الساعات الأخيرة من حياته، قبل أن ينتقل إلى جوار ربه، يعيد على من يهمه أمرهم التأكيد على العمل به، مبينا أن النبي كان كثير الوصية بالجار، فقال في وصيته لمن حوله: اللَّه اللَّه في جيرانكم فإن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أوصى بهم وما زال رسول اللَّه صلّى الله عليه وآله وسلّم يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورثهم.

في نص آخر يثبت النبي حق الجوار حتى للجار غير المسلم، فقد ورد عنه : الجيران ثلاثة: فمنهم من له ثلاثة حقوق حق الإسلام وحق الجوار وحق القرابة، ومنهم من له حقان: حق الإسلام وحق الجوار، ومنهم من له حق واحد: الكافر له حق الجوار.

لذا فإنه يجدر بالمغتربين، من مبتعثين وغيرهم، الذين يعيشون في البلاد غير الإسلامية أن يمثلوا دينهم خير تمثيل من خلال الالتزام بتعاليمه السامية بخاصة في مجال الأخلاق الاجتماعية، والتي منها حسن الجوار.

أخيرا نذكر نصين يتحدثان عن مصاديق حق الجار في الواقع الحياتي، ولنتأمل في دقة التفاصيل المذكورة فيهما بتمعن لنعلم موقعنا منهما. النص الأول: رَوَى عُمَرُ بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا حَقُّ الْجَارِ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: إِنِ اسْتَغَاثَكَ أَغَثْتَهُ، وَإِنِ اسْتَقْرَضَكَ أَقْرَضْتَهُ، وَإِنِ افْتَقَرَ عُدْتَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ عَزَّيْتَهُ، وَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ هَنَّأْتَهُ، وَإِنْ مَرِضَ عُدْتَهُ، وَإِنْ مَاتَ تَبِعْتَ جَنَازَتَهُ، وَلَا تَسْتَطِيلُ عَلَيْهِ بِالْبِنَاءِ فَتَحْجُبَ الرِّيحَ عَنْهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَإِذَا اشْتَرَيْتَ فَاكِهَةً فَأَهْدِ لَهُ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَأَدْخِلْهَا سِرّاً، وَلَا تُخْرِجْ بِهَا وُلْدَكَ تَغِيظُ بِهَا وُلْدَهُ، وَلَا تُؤْذِهِ بِرِيحِ قِدْرِكَ إِلَّا أَنْ تَغْرِفَ لَهُ.

النص الثاني من رسالة الحقوق للإمام زين العابدين : وَأَمَّا حَقُّ جَارِكَ فَحِفْظُهُ غَائِباً، وَإِكْرَامُهُ شَاهِداً، وَنُصْرَتُهُ إِذْ كَانَ مَظْلُوماً، وَلَا تَتَبَّعْ لَهُ عَوْرَةً، فَإِنْ عَلِمْتَ عَلَيْهِ سُوءاً سَتَرْتَهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَلِمْتَ أَنَّهُ يَقْبَلُ نَصِيحَتَكَ نَصَحْتَهُ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ، وَلَا تُسْلِمْهُ عِنْدَ شَدِيدَةٍ، وَتُقِيلُ عَثْرَتَهُ، وَتَغْفِرُ ذَنْبَهُ، وَتُعَاشِرُهُ مُعَاشَرَةً كَرِيمَةً.

دمتم بحب.. جمعة مباركة.. أحبكم جميعا.

شاعر وأديب