لا تكتموا مشاعر الحب

من الصعوبة أن يحبس الإنسان مشاعر الغضب والانفعال السلبي، لما يحتاجه ذلك من مهارة عالية وقدرة فائقة ورؤية بعيدة يمكن من خلالها جميعا ضبط الانفعال وتغيير مساره. فالكظم لا يعني السكوت وإنما التحكم في الرد بحيث لا يأخذك الآخر إلى مربعه هو أو يضطرك لاستخدام عملته. من ذلك ما روي عن الإمام محمد بن علي الباقر حين قال له نصراني «والناس أعداء ما جهلوا» مستهزئا ومستفزا: أنت بقر؟ قال: لا، أنا باقر. فالإمام لم يذهب إلى حيث يريد الرجل، وفي نفس الوقت رد عليه ردا يبين حقيقة الأمر رغم علم الآخر بها. وعندما استرسل الرجل في استفزازه وقال: أنت ابن الطباخة؟ قال: ذاك حرفتها، ثم لما هبط الرجل في بذاءته وقال: أنت ابن السوداء الزنجية البذية؟ سما الإمام في خطابه وقال: إن كنت صدقت غفر الله لها، وإن كنت كذبت غفر الله لك. تقول بقية الرواية: فأسلم النصراني.

من ذلك أيضا ما نقله الشيخ عباس القمي في كتابه «الأنوار البهية» عن أحد الأعلام إن ورقة حضرت إليه من شخص، من جملة ما فيها «يا كلب ابن كلب». فكان الجواب: أما قوله يا كذا «أي يا كلب ابن كلب» فليس بصحيح لأن الكلب من ذوات الأربع، وهو نابح طويل الأظفار، وأما أنا فمنتصب القامة، بادي البشرة، عريض الأظفار ناطق ضاحك، فهذه الفصول والخواص غير تلك الفصول والخواص. وأطال في نقض كل ما قاله. «الرد كما هو واضح يستخدم المصطلحات المنطقية للتفريق بين تعريف الإنسان والكلب». ثم يعلق الشيخ القمي على هذا الموقف بقوله: هكذا رد عليه بحسن طوية وتأنٍّ غير منزعج، ولم يقل في الجواب كلمة قبيحة.

المتأمل في سورة يوسف يلحظ أن النبي يعقوب لم يكتم مشاعر حزنه، بل كان يعبر عنها ويشكو بثه وحزنه إلى الله. يقول تعالى: «وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ». وقبل أن يحدث ما حدث عبر لأبنائه عن مخاوفه وهواجسه وتأثير فراق ابنه عليه قائلا: «إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ».

أما نبي الله موسى فقد أبدى مشاعر الخوف إلى مصدر السكينة والطمأنينة، كما ورد في سورة الشعراء: قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ «12» وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ «13» وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ «14».

وإذا كان التعبير عن المشاعر بشكل عام مطلوبا، للآثار السلبية التي تنتج عن كتمانها، كتجذر المشاعر السلبية في النفس ورُسُوِّها في قاعها؛ فإن الأمر يكون أشد مطلوبية حين نتحدث عن مشاعر الحب، لما للتعبير عنها من آثار إيجابية عظيمة على الطرفين. فعن الإمام الصادق : إِذَا أَحْبَبْتَ أَحَداً مِنْ إِخْوَانِكَ، فَأَعْلِمْهُ ذلِكَ؛ فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ: «رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي». وعنه أيضا «إِذَا أَحْبَبْتَ رَجُلًا فَأَخْبِرْهُ بِذلِكَ؛ فَإِنَّهُ أَثْبَتُ لِلْمَوَدَّةِ بَيْنَكُمَا». وكلما كان الشخص الآخر أقرب، كان أولى بإيصال المشاعر إليه. أما طرق التعبير فتتعدد بتعدد لغات الحب التي ذكرناها في أكثر من مقال.

دمتم بحب.. جمعة مباركة.. أحبكم جميعا..

شاعر وأديب