فتاوى سماحة المكاتب!

 

 


يتكرر بين الفينة والأخرى الضجيج الإعلامي الذي تُـحدثه فئات من الشيعة وأخرى من المخالفين، لبعض الأسئلة والأجوبة التي تَرِدُ من بعض المكاتب الخاصة بالفتيا، لبعض المرجعيات الدينية .

ولا أعني الفتاوى التي قد يكون لها أثر على المستوى الفردي أو الاجتماعي المحدود، بل تلك التي يكون لها آثار واضطرابات على المستوى الدولي والكيان الشيعي ككل، ناهيك عن البتر والتدليس والتقديم والتأخير الذي تلعبه الجهات الإعلامية - أياً كانت أهدافها -، والذي قد يكون من شأنه بالدرجة الأولى مخالفة الجهة التي أصدرت الفتوى.

ولعلّي أرجئ جانبَ الضجيج الإعلامي؛ وأركز ابتداءً على مركزية استصدار الفتوى، إذ أن أغلبنا يعلم أن هذه المؤسسة خطيرة جداً ودقيقة جداً ، أشبه ما تكون بغرفة العمليات ، إما لاستئصال جرثومة من جسد الأمة، أو لزرع فايرس - لا سمح الله – تكون نتائجه وخيمة جداً ، وهي التي تحوي المرجعية وثقاتها – البطانة - من أساتذة بلغوا درجات كبيرة من الورع والتقوى والعلم والعمل ممن تتلمذوا على يد المرجعية.

إلا أنها وكغيرها من المؤسسات، قابلة للاختراق والتّحول إلى ثكنة حرب ضد المرجعية ورعيتها – مقلديها - ، فتحُوْل دون ذلك التواصل، لما تقتضيه مصالحها الدنيوية والسياسية، أو أراجيفها الساذجة، ومثل ذلك قد تجسد بواقع الحال حتى في أصحاب الأئمة صلوات ربي عليهم فمنهم من وقف على بعض الأئمة لما اقتضته مصلحته الدنيوية مع كونها من الخاصة بل خاصة الخاصة!!.

بل وحتى لا نكون بعيدين بطرح التاريخ الذي قد نفتقد بعض خيوطه وخطوطه إلا العريض منها ، نجد مثالاً بارزاً فيما جسده أحد مؤسسي "حزب الدعوة" في العراق، والذي استطاع أن يصل بخداعه وألاعيبه إلى ثقة المرجعية وبطانتها، أعني بذلك السيد طالب الرفاعي الذي أحدث بعض الضوضاء خصوصاً بعد أماليه، والذي وبعد أن استطاع أن يكون أحد كوادر بطانة مرجعية السيد محسن الحكيم - رحمه الله- ، وكانت له كلمة مسموعة، أصبح وبعض تلك البطانة يقولبوا بعض الأمور بقالب ظاهرها النوايا الحسنة وباطنها توريط المرجعية بوجه أو بآخر في مصالحهم ورغباتهم!.

ولعل أبرز حدث هو ما قاله الرفاعي بنفسه في لقاء مباشر عبر برنامج تلفزيوني والأحداث التي جرت لاستخلاص " برقية استرحام بالنسبة إلى السيد قطب بتخفيف الحكم أو البراءة" الذي حكم عليه جمال عبد الناصر رئيس مصر آنذاك بالإعدام، والذي تقرر من ((مكتب)) المرجعية -وهو أحد كوادره- إقحام المرجعية بإرسال مثل هذه البرقية، وأن يكون المُخاطِب للمرجع الحكيم هو سيد طالب الرفاعي "لجرأته " وأساليبه الشيطانية.

يقول الرفاعي: " فجاءني سيد مهدي ابنه – ابن المرجع السيد محسن الحكيم - حدثني قال لي إحنا قررنا إنه السيد يُبرق برقية لجمال عبد الناصر، والسيد له كلمة مسموعة ومكانة محترمة عند عبد الناصر."
والعجيب هنا نجد أن القرار من البطانة وليس من المرجع الذي تم إقحامه حتى من أقرب المقربين له وهو ابنه!!

وحين أجمعوا أمرهم على ذلك توجه الرفاعي لسماحة المرجع الحكيم في بيته بالكوفة وحين التقى به قال له :" سيدنا أنت أبو الأمة الإسلامية وهذا شخص من رموز الإسلام، وأنت تتحمل مسئولية إن لم تفعل شيئاً بالنسبة لهذا الرجل وهذا وراءه تيار إسلامي كبير يعد بالملايين" ...

بهذه الطريقة استطاع الرفاعي شق طريقه لمخادعة المرجعية، إلا أن ما عكر صفو خطة الرفاعي ومكتب – البطانة - سماحة المرجع هو بحسب نقل الرفاعي " سيد محمد جمال الهاشمي " الذي استقلّ معهم سيارة سماحة المرجع " فاتجه إلي بكلمة يعني شديدة، سيد طالب – والمرجع مستمع لهما - تريد السيد أن يتوسط بهذا الذي يقول علي بن أبي طالب يشرب الخمر؟"
والرفاعي كان يعلم أن مثل هذه المقالة وأكثر للسيد قطب ولكنه أراد أن يُوقع السيد في شبه ولكي لا يأخذ بكلامه سماحة المرجع ويُصدر هذه البرقية المشومة " قلت له يا سيدنا أنت متأكد؟ يعني عملت خباثة قلت له: يا سيدنا أنت متأكد سيد قطب ولّا أخوه محمد قطب؟ وقطب اثنين وكلاهما إسلامي؟ قال: ها ما أدري. قلت له: أنا أدري أنه محمد وليس سيد.. هاي كذبه بيضاء، فسكت.."
كذبة بيضاء لتوريط المرجعية العليا، بهذا استطاع الرفاعي بحسب زعمه تهيئة المرجع لتنفيذ خطته ومكتب المرجعية ( أكرر الذي من ضمنها ابنه السيد مهدي الحكيم) !!.

نعم قد يبدو أن البرقية وصلت متأخراً بعد إعدام سيد قطب، ولكنها أصبحت وصمة عار أن تبعث المرجعية العليا بالنجف الأشرف استعطافاً لانقاد هذا الناصبي من حبل المشنقة، والذي تجاسر على أمير المؤمنين صلوات ربي عليه ، والتي استفادت من مثل هذه البرقية الحركات والأحزاب المنحرفة المتأثرة بما يعرف بالثقافة القطبية أو المد القطبي آنذاك.

وما تلتها من مرجعيات في النجف الأشرف لم تخلو من أمثال هذه البطانة بألوانها المتعددة، ولا يُشكّل هذا سوءًا في المرجعية، إلا إذا ما رضخت لفساد البطانة ، والتي لن يكون بها هدم المرجع نفسه، أو المرجعية ككل ، بل وحتى التشيع.

لذا فإننا حين نرى تذبذباً في حكم شعائري، والمرجعية تتوقف فيه لمنع إحداث ضجة في أمرٍ تراه ليس مهما البث فيه، مما تُحدث خللاً في فهم الحكم الشرعي لأتباعها ومواليها، ثم الإثارات التي تثيرها بعض الجهات من هنا وهناك من خلال ما يسمى بمدرسة العرفان ومن يقف خلفها من سلطات وتماديهم لا على المرجعية النجفية فحسب، بل وتجاسرها على التشيع ، ولا نرى أي ردود فعل لتثبيت المؤمنين من هذه الفتنة، وغيرها الكثير المواقف والمآسي !!.

لكن حين تخرج فئة مؤمنة لم يتجاوز عددهم حتى المائة شاب تندد بالأحداث التي تمر بها بلادهم من تفجيرات متتالية راح ضحيتها الكثير من الموالين والقمع للتشيع في جميع أنحاء العالم لينددوا في مظاهرتهم الصغيرة هذه بالمجرمين الأوائل، تثور ثائرة العالم الشيعي تباعاً لفتوى أخرجها مكتب سماحته !!، ويُؤسَس على ضوئها مشاريع قانونية في العراق وغيرها ، ويتم تجاذبها من خلال الأبواق الإعلامية متعددة الأهداف والنوايا وتسويقها بخلاف ما هي عليه..

ألا يجدر بنا التوقف قليلاً والتأمل لمعرفة مركزية استصدار الفتاوى في القضايا المركزية والمحورية والتي قد ينتج عنها هدم التشيع حال صمتها أو حديثها !.

       كل الإعزاز والتقدير والاحترام لسماحة آية الله العظمى السيد محسن الحكيم وآية الله العظمى السيد علي السيستاني.

مصدر أحداث برقية السيد محسن الحكيم : http://www.turkid.net/?p=5429

مصم جرافيك ومدون