حببوا الناس إلى الله

 

 

كان حديثنا الماضي عن تحبيب الله إلى الناس، وهذا الحديث يتناول الجانب الآخر وهو تحبيب الناس إلى الله، أي تقريب الناس إلى الله تعالى ليكونوا ممن يفوز بمحبته، وذلك هو الفوز العظيم.

قبل ذلك واستكمالا للحديث الماضي، أود التنويه بأمر في غاية الأهمية يغفل عنه الكثيرون؛ وهو افتراض  أن الناس بمجرد أن يعرفوا الحق سيعتنقونه، وأنه لا داعي لتحبيب الحق إلى الناس، أو بتعبير آخر: إن الحق لا يحتاج لدعاية.

وهذا افتراض خاطئ. فالحق يحتاج أكثر من الباطل للدعاية والإعلام، لأن الباطل يخاطب الغرائز والشهوات، والنفس أمارة (بالسوء إلا ما رحم ربي). أما الحق فهو يخاطب العقل والضمير، والمستجيبون لذلك قليلون. فالله تعالى هو الحق المطلق، ولكن المتبعين صراط الله قليل. يقول تعالى: ﴿ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ، ويقول عن تكذيب الناس للحق المنزل من عنده: ﴿وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ.

إذن لا يكفي أن يكون ما لديك حقا كي ينقاد الناس له، بل لا بد من تكثيف الإعلام والدعاية للتعريف بالحق بمختلف الوسائل الحقة وتحبيب الناس إليه.

وهذه في الواقع مسؤولية عظمى تقع على جميع العارفين بالحق عموما، وعلى العاملين في حقل التبليغ والإعلام خصوصا، وهؤلاء – أي المبلغون والإعلاميون الصادقون- هم المغبوطون يوم القيامة كما ورد في الحديث الشريف عن النبي أنه قال: أنه قال : " ألا أخبركم عن أقوام ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم ( الناس يوم القيامة ) بمنازلهم من الله عز وجل، على منابر من نور " ؟ قيل: من هم يا رسول الله ؟ قال : "هم الذين يحببون عباد الله إلى الله، ويحببون الله إلى عباده"، قلنا : هذا حببوا الله إلى عباده ، فكيف يحببون عباد الله إلى الله ؟ قال " يأمرونهم بما يحب الله، وينهونهم عما يكره الله، فإذا أطاعوهم أحبهم الله ".

آخر هذا الحديث يتناول ما نحن فيه من تحبيب الناس إلى الله وسبيل تحقيقه. وذلك بأمر الناس بالالتزام بما يحبه الله والاجتناب عما يكرهه، وهذا يقتضي العلم أولا بمحبوبات الله ومكروهاته، ثم تعليمها للناس ثانيا، والحث على تطبيق العلم في الخارج ثالثا. ومن هنا كان لكل من مفردة العلم ومفردة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مكانة عظيمة في الإسلام.

ورد عن الإمام علي : يا مؤمن، إن هذا العلم والأدب ثمن نفسك فاجتهد في تعلمهما، فما يزيد من علمك وأدبك يزيد في ثمنك وقدرك، فإن بالعلم تهتدي إلى ربك، وبالأدب تحسن خدمة ربك، وبأدب الخدمة يستوجب العبد ولايته وقربه، فاقبل النصيحة كي تنجو من العذاب.

أما في شأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد ورد عن النبي أنه قال: " لا تزال أمتي بخير، ما
أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البر، فإذا لم يفعلوا ذلك، نزعت منهم البركات، وسلط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء " .

والخلاصة: كي نجعل الناس من الفائزين بالحب الأكبر، علينا أن نكون على علم بكل ما يحبه الله تعالى، وبكل ما يكرهه، وذلك من خلال التفقه في دينه وفهم أحكامه، ثم تعليم الناس ذلك وبثه فيهم، ثم حثهم على التقيد بحدوده فيما يحب ويكره، وعندها ينالون حب الله تعالى ويسعدون برضوانه.

جمعة مباركة.. دمتم بحب.. أحبكم جميعا.

شاعر وأديب