صورة طبق الأصل .. مستحيل !!

الأستاذ إبراهيم علي الشيخ * شبكة منار الولاية

 ما الذي يحمل شخصاً ما على هجر آخر والتسبب في جرح مشاعره وإيلامه     أو إيذائه ؟ أهي النفس الأمارة بالسوء ؟ أهي الغيرة ؟ الغضب ؟ الإنتقام ؟ الإكتئاب ؟ الحسد المذموم ؟ تلك أسبابٌ مُحتملة يمكن أن ترد في أذهاننا عندما نحاول الإجابة على هذا السؤال المرتبك .

 لكن هناك أسبابٌ أُخرى يمكن أن تكون وراء حدوث الألم في أي صداقة كانت والتي ربما لم نفكر فيها على الإطلاق. من هذه الأسباب الرغبة في الإنتقام عندما لا تكون هناك رغبة مشتركة في الإبقاء على العلاقة ، وكذلك ضعف إحترام الذات ، والعجز عن التعامل مع المتغيرات الطارئة ، هذه فقط بعض الأسباب الممكنة لحدوث الهجر في أي علاقة أو صداقة كانت .

 وإنني أعتقد إن إحتمالية وقوع الآلام والإخفاقات في الصداقة تأخذ في الإزدياد إذا نشأت تلك العلاقة بصورة متسرعة ومندفعة ، أو كان هناك تبايناً واضحاً في مستوى الفهم ، أو منظومة القيم ، أو الميول والإهتمامات ، أوضعفاً في سماكة الأرضية المشتركة التي يقف عليها طرفي العلاقة سواء أكانوا أفراداً أم جماعات .
 
 كما أنه ربما  يؤدي عدم تبادل المعلومات الشخصية بالقدر الكافي بين قطبي العلاقة والمبالغة في توسيع دائرة الخصوصية ، والعيش مع الصديق من خلال النافذة المغلقة ( أنا أعلم أنت لا تعلم ) إلى غياب التبرير المنطقي والتراتبي لأي تصرف يقوم به أحدهما تجاه الآخر ، والعجز عن الوصول إلى تفسير مقنع للسلوك وهنا يتم الوقوع في ( فخ التأويل ) الذي يقود بالضرورة إلى الشك والريبة وأخذ الحيطة والحذر لحماية الذات من ذلك الصديق الذي لم نفهمه بعد أو لم يتيح لنا هو ذاته فرصة فهمه وسبر غور شخصيته ، وبالتالي نضطر مُكرهين إلى إصدار الأحكام الظالمة التي لا تستند إلى الأدلة القطعية والمعلومات المتكاملة مما يساهم في توسيع الهوة فيما بيننا ويؤدي إلى التنافر والقطيعة ( لا سمح الله ) !!
 
 هناك بطبيعة الحال عدد لا حصر له من الأسباب التي تشعر أياً منا بالإنزعاج الكبير من صديقه منها : حدة المنافسة ،الحسد ،الإكتئاب ،الغضب ، البخل العاطفي ، والتي تتحول كل منها إلى ثورة عارمة إذا لم يتم التعامل معها بوعي ولباقة  وربما بالرغم من مثاليتك الفائقة في تعاملك مع صديقك إلاَّ أنك تشعر بعدم إخلاصه لك ، أو تجميده  لعلاقته معك عند سقف محدد لا يرغب هو في أن تتجاوزه ، الأمر الذي يزيد من ردة فعلك وحنقك ويجعلك تشعر بعدم تكافؤ المشاعر بينكما وقد يرتفع ذلك الشعور إلى حد الإحساس بالضيم والخسارة في علاقتك معه وأنك ( النقطة الأضعف ) أو الحائط الهبيط الذي يسهل تسلقه . 

 إن فتور العلاقة يكون أشد وأقوى عندما يحدث من طرف واحد دون الآخر ، خصوصاً إذا كان أحد الصديقين يرغب في أن تبقى الصداقة على نفس مستوى المودة والتواتر المعتادين . كما إن ما يجعل أي علاقة نفيسة وسريعة الزوال في ذات الوقت هو أنها تبدأ بصديقين يتعاهدان على الصداقة ويتفقان على الحفاظ عليها ، ولكن واحداً فقط ينسحب منها تدريجياً أو ينهيها لأسباب تخصه .

 فالصداقة تبدأ وفقاً للمسار التالي : ( الإختيار – الإختبار – إعادة التقييم – القرار ) ومن غير الصواب أن تكون الصداقة محصورة بين ( الإختيار و القرار ) وبالرغم من أن تحولات الصداقة ( Friend shifts ) تبدو طبيعية في الحياة ، إلاَّ أن التمسك الشديد لأحد طرفي العلاقة بالآخر يجعله يرفض قبول تلك التحولات وبالتالي ينظر إلى تلك التحولات على أنها مؤشر على عدم الوفاء أو الخيانة ، وبالتالي يؤدي ذلك إلى إنهاء الصداقة بطريقة دراماتيكية .

 إن الشيئ القيِّم والفعال جداً بشأن الصداقة هو أنها مسألة إختيار وإرادة تعبر عن رغبة مشتركة ، وبإمكانك أن تقرر إذا كنت لا ترغب في مواصلة مسيرة الصداقة وكذلك بإمكان صديقك أن يتخذ نفس هذا القرار . ليس هناك من قيود قانونية أو أخلاقية أو مالية تجبرك على الإبقاء على رابطة ما إذا كنت لا ترغب في ذلك . لكن الإستثمار العاطفي – خصوصاً مع الصديق الحميم أو الصديق الأعز – يمكن أن يكون كبيراً جداً وأحياناً يمكن أن يفوق الإستثمار العاطفي بين شركاء الحياة ( الزوجين ) ويدوم لفترة أطول منه ، الأمر الذي يجعل من إنهاء العلاقة شيئاً مدمراً خصوصاً بالنسبة للشخص الذي تم هجره من غير سابق إنذار أو دون مبرر مُقنع .

 هناك من الأصدقاء من يهوى مصادرة كينونة الآخرين ويعمل جاهداً على تحويلهم إلى نسخ كربونية منه ، وأن يسلكوا نفس مسلكه في الحياة ، وأن يتبنوا طريقته ومنهجه في شتى شئونهم حتى وإن كانوا يتفوقون عليه خبرة وعلماً ، وبدلاً من أن يحترم طبيعة الإختلاف بين البشر الذي يُعد ضرورة للتكامل الإنساني ، فإنه غالباً ما يحاول إخبارهم بأنهم على خطأ حتى في المواقف التي تتفق عليها أغلب الآراء وتُجمع على صحتها !!
 

 عندما يحاول أحد الصديقين في أن يكون صديقه ( صورة طبق الأصل منه ) وينتهج هذا النهج في صداقتهما ، فمن المؤكد أن ذلك سيزيد من صعوبة نمو وإزدهار أي علاقة بصورة صحية وإيجابية ، فإذا كنت عازماً على أن تكون صورة طبق الأصل من صديقك فمن المرجح أن تشعر بأنك ( تكذب ) كي تتجنب المواجهة معه وبمرور الوقت ستشعر أنك غير قادراً على تحمل الصمت والإذعان اللذين أجبرك عليهما صديقك المزعوم الذي باتت صداقته مؤلمة وغير مُحتملة . أليس كذلك ؟ تحياتي .          

إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية