حول مفهوم التعليم الحواري

 

 

 


إذا كان التعليم البنكي، كما أشرنا في مقال سابق، يسير في اتجاه واحد، أي من المعلم إلى الطالب، فإن أسلوب التعليم الحواري يسير في كلا الاتجاهين، يتبادل فيه طرفا العملية التعليمية المعرفة من خلال عملية الحوار، فدور التلاميذ هنا لا يقتصر على الاستماع فقط، بل هم يشاركون بالنقد والبحث والحوار مع المدرس في المادة التعليمية، أوالموضوعات المراد علاجها والبحث فيها، حيث يكون دور المعلم هنا هو المساهمة في تهيئة المناخ المناسب لإطلاق القوى الإبداعية عند الطالب.

إن عملية التعليم الحواري، التي تطرح وتعرض المشكلات والقضايا على مشرحة البحث والفحص بحثا عن الحلول، تبعث في نفوس الطلاب التحدي، كما يشرح باولو فرايري في كتاب تعليم المقهورين، حتى يتعلموا مواجهة المشكلات الواقعية التي يمكن أن يصادفوها في حياتهم، مما يفتح أمامهم مزيدا من القدرة على الفهم والإدراك في حل المشاكل. فالأسلوب الحواري بهذه الطريقة، هو الركيزة الأساسية، والعمود الذي تقوم عليه فلسفة التعليم عند باولو، من أجل أن يفهم المتعلمون العالم الذي يعيشون فيه، ويهيئهم ليصبحوا نقادا ومفكرين وقادة.

إن السعي إلى تنمية مستوى الوعي، والرقي بمستوى الثقافة في مجتمعاتنا، يحتاج إلى تنمية هذا الأسلوب الحواري ذو النزعة النقدية، الذي لا يتعامل مع القضايا المطروحة للنقاش بطريقة آحادية الاتجاه، يمارس فيه طرف دور المُلقي، وطرف آخر دور المُتلقي السلبي، يكتفي فيه بالاستماع أو الاصغاء الصامت للخطب والمواعظ والإرشادات، من دون حوار ونقاش يبدي فيه برأيه.

إن عملية التثقيف الايجابية، والتثاقف الابداعي، هي عملية تعلم مستمر، لا يقتصر فيها الأمر على الاستماع فقط، بل يكون فيه أطراف العملية الحوارية مشاركون إيجابيون بالنقد والبحث والحوار فيما بينهم بطريقة ايجابية، يفتح أمامهم الآفاق، ويطلق مخيلاتهم. ففي الوقت الذي يهتم فيه منهج عرض المشكلات بتعرية الواقع وكشفه أمام شركاء العملية الحوارية، فإن المنهج البنكي لا يستهدف سوى إضعاف الاحساس بالواقع من خلال عملية التلقين السلبي.
    
إذا كان المنهج البنكي يتميز برفض الحوار، فإن ميزة المنهج الآخر هي في الإعلاء من قيمة الحوار وتجسيده عمليا، من خلال طرح المشكلات والقضايا على طاولة البحث، سعيا إلى فهم أفضل لمشاكلنا وقضايانا، وللعالم المحيط بنا.

فالمنهج البنكي، كما يقول باولو، يعوق نزعة الإبداع، ويجنح إلى التدجين من أجل أن يَحُول بين الإنسان وممارسة حريته، بينما المنهج الحواري، منهج طرح المشكلات على طاولة البحث والنقاش، يساهم في تطوير الملكة النقدية عند المتعلم، ويساعد على الابداع، ويستفز نزعة الفهم والتبصر بحقائق الوجود، وبالتالي فإنه يحقق إنسانية الإنسان، لكونه يقوده نحو الابداع والتطور.