قراءة و رؤية : نزعة ذات نحو الفخامة

 

 

 


الإعلامي الكاتب حسن آل حمادة يقول : "  بعض المبدعين يحسب نفسه الكعبة ! لهذا لا يجد من يطوف حوله!  "

و أزيد عليهِ فأقول :

أن بعضاً ممن  يطوف أعمى ، يحسب أي كثرة دلالة وجود كعبة ، كما لو أن الزمرة مطلقة المنح الإيجابية و غير قابلة أن تفوتر سلباً لصالح جهة ممولة أو مستفيد مموه (سري ) بظهور آخر مستعمل ( علناً ) ، فالرصيد المفتوح خاضع للاستخبارات بحجة المتابعة غير أنه لا يقبل بالتصريح أو المكاشفة . فكيف تدفع رصيدك مسبقاً ( تقرر بنفسك عن نفسك أنك كعبة ) و تصر أنك مفوترٌ مساحاتك لطواف الملايين غير أنه لا فردٌ يطوف حولك ( إيماناً بأنك فعلا مبدع ، فعلا كعبة ) !!.

صراحة أقول أن هذا القول منحني بعدين مفتوحين - حتى المدى -  كرجلي صناعة مُقعدة نرغب لو تقوم ، أولهما : تعزيز الإيمان بالإبداع الذاتي الموضوع في الأدنى كدائمية لوجود أعلوية نشتغل من أجلها كذوات ترغب لو تبدع ، الأمر الثاني : ضرورة وضع الفواصل الواضحة بين أفعال ( التقييم – التحفيز - التفخيم ) حيث الأول هو : التحديد الواقعي للحيز المفعول به من ذات فاعلة على مساحة بارتفاع  ، في حين أن الثاني هو : الإيمان بالحجم القادم - كنتيجة - من تقدير البذل المستطاع من ذات - كسبب – بينما الثالث و الأخير لا يعدو عن كونه قفزاً انطلاقياً لأبعد من الموقع الحالي حتى اللا تكافؤ بين الكتلة الفاعلة و المساحات المقررة كمفاعيل  بالرغم من أنها ما أخذت كفايتها الفعلية لتُقرَّر كمفعول.

فكيف ترضى أن تضع نفسك و أدواتك الإبداعية - إن وجدت فعلاً - في المساحة الكبرى الفاضحة الحجوم الصغيرة ؟

واقعاً ، نحن لما نشتغل نصنع أنفساً تتجاوز المساحات لا مساحات تنشر أنفساً ، لأن العمل الإبداعي يفوق التصور مقارنة بالعمل التداولي ، أيضاً قد يفوق المجهود التخميني لحيثيات مبدع ، فاللحظة الأكثر انبهاراً واردة مع أي قرار بالانجاز ، لكن هذا الورود غير مستدرك عادة ، لذلك نقع في الدهشة.

فبعد القراءة الرابعة لهذه المقولة جالت في خاطري  بواعث التحجيم الذاتي في غياب الموقع الملائم حجم الذات ، كذاك الذي يغرق في وهم مفاده : أي خشبة تقابلها كراسٍ هي خشبة مسرح ، أي مستمع هو معجب ، كفئة تظن بكفاية استلام الأوراق منها كدلالة قبول لما صنعَتْ في ورق ، و الواقع الحق أنه ليس كل طرح سليماً جداً أن يُطرح للآخرين ، و إن طرحنا عندهم ما لدينا فذاك لا يعني حجراً أسودا في كعبة يستوجب الحمد و التقبيل.

أصلاً ، عمر التداول ما كان - وحده - علامة مبدع ، و لا شارة إنجاز ، فكم هاوية نزل فيها بشر ثر ، و كم جرادٌ هاج و انتشر و ما صنع من نفسه سنبلة.

أيضا الخُلق التداولي مطلوب لقبول مبدع من آخر متلق لإبداعه أو مجار له ، فركوب موجة الكفاية ، تل الترفع كجبل ، صعود النظر لدى الفعل الذاتي و نزوله عند أفعال الآخرين عن موازين الاعتدال و القياس المنصف لن يعمر ساحات العطاء و لن يستقطب مهتمين ، فالأثر المتعالي يفقد قيمته المؤثرة متى ما امتطى أكتاف متأثر كناجح في صناعة أثر و ذلك لأن الإبداع -  و ببساطة - لا يحتمل طبقية.

الإبداع صناعة ، صناعة قد تأتي من أية يد عاملة ، مهما اختلف الجهد المبذول ، الزمن المنصرم ، العقل الفاعل و الأداة المفعول بها ، صناعة تتفاوت فيها كمية العصف الذهني ، ممارسات شقاء الوعي ، مزيج من إرهاقات على مستويات مكانية زمانية بكيفيات شتى ، خلاصتها : عمل إبداعي انتشاري ينطلق ثابتاً من نقطة ليغطي - من ذات النقطة – جغرافيا العالم.

واقعاً ، الحق يقال ، فالمقولة أغنى من الكفاية بمقال ، لكن قبل أن أختم أحب أن أشير لأشكال التبادل في بطن الحركة التفاعلية داخل مبدع ، فللذات أن تقوم من موهبة بامتلاك مهارة معينة التأثير و مطلوبة الأثر بحيث تجلب للذات القاعدة - قبلاً دون ممارسة المهارة - قياماً مستحقاً نتيجة انعكاسات المنتَج عليها كمنتِجة ، كما للموهبة أيضاً أن تقوم من ذات و لكن دون امتلاك مسبق لمهارة بل بتعلم مهارة حتى الامتلاك و في الحالتين صناعة الإبداع أمر ممكن.

أخيراً أقول :

الإبداع لا يحتاج مدللين ، فالدليل للمجهول ، و الإبداع معروف بذاته للكل ، الإبداع ضوء ينتشر رغماً ، لا يقبض بكف ، لا يُسد إلا بتغليف المبدعين ، و لدى ثقافة التغليف أقول : متى غلفت مبدعاً كضوء آيل لانحسار فانتظر يوما تغلفك فيه عتمتُه حين ضوء منه ، لكن في انتشار.