في ذكرى البيعة السادسة: نعم للصدق لا للخوف

 

في الذكرى السادسة للبيعة «26 /6/1432هـ الموافق 29/5/2011م» خاطب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز المواطنين بكلمات رائعة بقوله " أوصيكم بكلمة هي بسيطة، ولكني أوصيكم بها لأن الإنسان بدونها لا إنسان وهي الصدق.. الصدق.. الصدق.. عليكم بالصدق في معاملاتكم وفي بيوتكم وفي أولادكم وفي أقاربكم وفي من يسمع منكم. أرجوكم أن تتمسكوا بالصدق لأن الصدق حبيب الله وهو أوفى للإنسان وأوفى ما للإنسان الصدق، لأنك إذا صدقت صدقوك العالم كلهم، وإذا زليت بزلة لو كلمة واحدة ما عاد احترموك، الإنسان صدق لازول. إخواني: أرجوكم هذه تحياتي لشعب المملكة العربية السعودية، شعب الوفاء وشعب الخير، شعب المقدرة شعب الأخلاق ولله الحمد. وأنا ما أنا إلا خادم لكم، أنا ما أنا إلا أقل من خادم لكم، صدقوني أنني لا أنام إلا ولله الحمد سائلاً عن كل المناطق ما هي الحوادث فيها، وش اللي ما صار وش اللي صار. ولله الحمد هذا ما هو كرم مني. هذا وفاء وإخلاص لكم، وحبكم لي لن أنساه، ولن أنساه مادمت حيا، أشكركم وأتمنى لكم التوفيق وأتمنى أن تعينوني على نفسي، وشكراً لكم. "

الكلمات السابقة رسالة إيجابية للمواطن بأن يكون صادقا مع المسؤول فزمن الخوف يجب أن يزول من العقول وأن نتحدث بما يبرئ ذمتنا يوم القيامة، وكما أن الملك يقوم بالسؤال عن جميع المناطق يومياً، فدورنا كمواطنين أن نساعد الملك في تأدية مهامه بأن نوصل همومنا وآهاتنا له بكل صدق. الملك لا ينتظر كلمات التبجيل بقدر ما ينتظر الكلمة الصادقة التي تساعد في تنمية الوطن وتساعد على تقويته.

كلمة الصدق ترددت في الكلمة المقتضبة للملك أكثر من ست مرات وهذا يعكس مدى حرص الملك على أن تكون الكلمة راسخة، وهذا ما انعكس في كلمة الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية التي شدد فيها على الصدق باستحضار كلمة الملك بقوله "، وفي هذا اليوم بالذات قال حفظه الله: إن هناك كلمة من أهم الكلمات ومن أهم ما يجب أن يكون وهي كلمة الصدق فيجب أن يكون الإنسان صادقا مع ربه ثم صادقا في قوله وفي عمله، وهذه كلمة لها مدلولها لإنه مطلوب من كل منسوبي الدولة أن يصدقوا في أعمالهم، صدقا مع الله أولا ثم معه كولي أمر وضع ثقته فيهم " و" ونعرف نحن المسؤولون كم يحثنا وكم يشدد علينا بالاهتمام بالمواطنين واللقاء بهم وتلمس احتياجاتهم كل في اختصاصه ليس قولا بل فعلا وعملا ".

هذه الكلمات ذكرتني بالكلمة التي ألقاها الملك فهد بن عبد العزيز في مجلس الوزراء في يوم الأربعاء 30/6/1403هـ الموافق 13/4/1983م عندما استعرض ما قامت به الحكومة وبعد ذلك قال " لماذا، مثلاً، تكلمت في هذا الموجز؟.. لأن الكثير يتساءل.. ماذا عملت الدولة؟ بطبيعة الحال هذا ناتج من حرص المواطن، كونه يسأل هذا السؤال: ما هو الشيء الذي عملته الدولة " راجع كتاب بيانات مجلس الوزراء في السعودية للأعوام «1402، 1403، 1404».

بعد هذه المقدمة الطويلة سأكون صادقاً واتحدث بما أراه مصلحة لوطني.
1

- لست ناطقاً عن الشعب، ولكني سأنقل لكم ما أسمع وأقرأ وأرى. الكلمات الجميلة التي تزين بها أسماعنا منذ توليت الحكم معظم المواطنين يطرب بها لكن للأسف لا تتحول إلى واقع عملي والشواهد كثيرة على ذلك، فكم مرة دعيت إلى نبذ القبلية والعصبية وأن الوطن للجميع لكن لم يتغير شيء على أرض الواقع بل الأمور تزداد تعقيداً، وهذا جعل الفرحة ناقصة وأصبحت الثقة بأن يلتزم الجميع بما تقول ضعيفة.

2 - سيادة القانون ثم سيادة القانون ثم سيادة القانون أكررها لأني أجد أن عدم تطبيق القانون على الجميع أو عدم تشريع قوانين لسد مناطق الخلل الحالي أو المستقبلي يؤدي إلى جعل الوطن مريضاً وعليلاً، فالقانون علاج فعال لمعظم الأمراض التي تصيب الدولة والمواطنين حينما يقترن بالحكم الرشيد. ولأن هذه النقطة من النقاط الحساسة لأنها الشريان الأساس التي تحكم العلاقة الطولية بين الحاكم والمحكوم والعلاقة الأفقية بين المواطنين أنفسهم. الأمثلة هنا لا حصر لها ولكني سأتطرق إلى موضوع هو حديث الناس وسأقدم له بمقدمة من واقعنا المعاصر كي نعرف مقدار الاحتقان في النفوس والمخاطر الذي يسببها اهمال موضوع سيادة القانون.

في مصر كانت العلاقة سيئة بين جهاز مباحث أمن الدولة والمجتمع المصري، بحيث كان هذا الجهاز يمارس أشد أنواع التنكيل والتعذيب والإساءة بحق الناشطين والكتاب، وقد انتشرت الكثير من مقاطع الفيديو التي تعكس ممارسات الجهاز القمعية فضلاً عن الشهادات التي أدلى بها الكثير من أبناء الشعب المصري على مدى العقود المظلمة من التاريخ المصري، فكانت الثورة المصرية نقطة النهاية فطالب الشعب المصري بعد نجاح الثورة بحل هذا الجهاز ليكون نسيا منسياً فكان لهم ذلك يوم 15 مارس 2011، ونفس الشيء حدث في تونس عندما تم حل جهاز أمن الدولة " البوليس السياسي " يوم 7 مارس 2011.

المثالان السابقان يختصران ما أريد قوله، فجهاز المباحث كما يعلم الجميع لا يعتمد على نظام الإجراءات الجزائية في ما يقوم به رغم أن النظام جعل المباحث إحدى جهات الضبط وهيئة التحقيق والإدعاء العام هي التي تتولى التحقيق والتوقيف وتمديد التوقيف والإشراف على أماكن التوقيف، إلا أن ذلك غير مطبق وبالتالي أصبح هذا الجهاز مثار قلق والناس أصبحت تفقد ثقتها في القوانين التي يقرها مجلس الوزراء والملك لأنها أصبحت حبر على ورق، وبالتالي يختل جزء وركن أساس من مقومات الدولة وهو العدالة.

في الوطن نشعر أن الطريق الصحيح والسليم ليكون مكاناً صحياً وآمنا هو أن تكون القوانين محل الزام للجميع، فليس من العدل أن يسجن الناس لسنوات بلا محاكمة أو توجيه تهمة، بحيث أصبح وطننا محل لضرب الأمثال في العالم في الاعتقالات التعسفية. نريد لوطننا أن يكون القانون هو الفيصل في الخصومات والمنازعات ونبتعد عن تأثير الأشخاص، نريد من يحكمنا هو القانون وليس الشخص وعندما نخطئ نعاقب على أساس نص قانوني وليس بناء على رأي القائم على تنفيذ القانون.

الكلام ليس مختصاً بالمباحث بل أيضا قطاعات كثيرة من الأمن العام لا تلتزم بالقوانين التي سنتها الحكومة لكي تكون هي المرجع للجميع لتحقيق العدالة.

هنا أجدها فرصة لكي أشدد كمواطن " صالح " أن يتم إقرار اللائحة التنفيذية لنظام الإجراءات الجزائية، فتأجيل إقرار اللائحة من مجلس الوزراء يعطل العدالة لأنه يجعل الاجتهادات متفاوتة ومتناقضة في فهم النصوص وتطبيقاتها وهذا يتعارض مع الهدف من وضع القوانين التي تنظم القضايا الجنائية. فنظام الإجراءات الجزائية أقر منذ عام 1422 وكان من المفترض أن تصدر اللائحة في وقت سريع تحقيقاً للمادة «223» من نظام الاجراءات التي تنص على " تحدد اللائحة التنفيذية لهذا النظام إجراءات تنفيذ الأحكام الجزائية. " والان بعد مضي عشر سنوات لم يتم إقرار اللائحة وهذا أمر يجب أن يأخذ بعين الاعتبار لأن التأخير بمثل هذه المدة غير مبرر وبصفتكم رئيس مجلس الوزراء أقترح أن يتم مناقشة هذا الموضوع في مجلس الوزراء لأنها من صميم عمل المجلس حسب ما تنص عليه المادة «224» من نظام الاجراءات الجزائية " يُصدر مجلس الوزراء اللائحة التنفيذية لهذا النظام بناء على اقتراح وزير العدل بعد الاتفاق مع وزير الداخلية. إضافة إلى ذلك أن تكون هيئة التحقيق والادعاء العام لها مكاتب في جميع مختلف محافظات المملكة بكامل الصلاحيات، بحيث لا تكون هيئة التحقيق والادعاء العام لها التحقيق في بعض القضايا وجهات الضبط لها الصلاحية في قضايا أخرى.

3 - مؤسسات المجتمع المدني من أهم الأدوات التي تساعد على تحقيق أهداف وتطلعات الحكومة والشعب، وهي تساعد على تعزيز دور المواطن في بناء الدولة وتساهم بشكل فعال في تحقيق خطة التنمية التاسعة، هذا الدور الذي يجب أن تلعبه المؤسسات المدنية مغيب ومعطل وبذلك يخسر الوطن بتعطيل كثير من الكفاءات الوطنية في المساهمة في صنع مستقبلهم وحاضرهم. وهنا نتساءل لماذا نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية الذي أقره مجلس الشورى منذ عام 2008 وتم تحويله إلى مجلس الوزراء منذ ذلك التاريخ لم يتم ادراجه ضمن جدول أعمال مجلس الوزراء لمناقشته وصولاً للموافقة عليه.

4 - عانت الأقليات من التمييز الممنهج منذ تأسيس الدولة السعودية، وهذا الأمر أصبح من المسلمات وحري بك يا خادم الحرمين أن تأخذ قراراً مهماً بأن يتم اشراك الشيعة في صناعة الوطن، فالتهميش سيزيد من حالة عدم الثقة وسيرسل رسائل سلبية للمواطنين الشيعة أن عدم اشراكهم هو أحد وجوه عزلهم، فعبارة الوطن للجميع يجب أن تكون راسخة البنيان في مفاصل الحكومة والهيئات والمؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية وعدم الاكتفاء بوضعهم في آخر السلم. وهنا أشيد بالمبادرة الأخيرة التي أطلقها الأمير جلوي بن عبد العزيز نائب أمير المنطقة الشرقية يوم الأربعاء 22/6/1432هـ الموافق 25/5/2011 م والتي أمر فيها بتشكيل لجنة من ستة أشخاص ثلاثة من إمارة المنطقة الشرقية وثلاثة من أهالي القطيف وذلك لوضع حلول ومعالجات للمشاكل التي يعاني منها الأقلية الشيعية، وهذه اللجنة تحتاج أن تكون تحت نظركم لكي يمكنها أن تتحرك بسرعة وفعالية وتتحول قرارات اللجنة إلى واقع عملي.

5 - المرأة في السعودية عانت من الإقصاء لعقود طويلة اعتماداً على النصوص الدينية، أرادوا للمرأة أن تكون جاهلة بتحريم تعليمها في المدارس وقد تم تخطي هذه العقبة من الممانعة التي استمرت لسنوات عديدة بالأمر الملكي الحكيم من الملك فيصل في عام 1380هـ والذي أتى بعد حوالي عشرين سنة من تعليم الأولاد. ولو تم الاعتماد على آراء المخالفين لتعليم المرأة وبدعوى الخصوصية والعرف لأصبحت المرأة السعودية إلى يومنا هذا جاهلة وخسر الوطن كفاءات نسائية قامت بتنمية الوطن على مدى الخمسين سنة الماضية. المرأة السعودية لها حقوق يجب أن ينظر لها بالميزان الإسلامي المعتدل، فلا يمكن تمييز المرأة السعودية بأحكام تكون متفردة بها عن بقية نساء العالم ونعتبر أن هذا هو الصالح لها، الأصلح لنساء الوطن هو أن يشعرن أنهن يحصلن على حقوقهن وأن يشاركن في مختلف قطاعات الدولة وبمختلف المستويات. ابعاد المرأة السعودية وتعطيل كفاءاتها عن طريق تشريعات وقوانين هي مخالفة لما التزمت به الدولة وأيضا لا تنسجم مع نظريات التنمية وما توصل إليه العقل البشري في عصرنا الحالي يعرقل تقدم الوطن ولا يجب أن نكون دولة شاذة في تعاملنا مع المرأة، احترامنا للمرأة هو بحماية حقوقها وليس بتقييد حريتها وعزلها عن الحياة العامة.

ما ذكرته سابقا هو فقط للتذكير لا أكثر، فما ذكرته هو إعادة تأكيد ليأتي متزامناً مع الذكرى السادسة للبيعة التي هي يوم الصدق والشفافية بين الحاكم والمحكوم، لنؤسس في هذا اليوم مرحلة جديدة من العلاقة المبنية على الصراحة لكي نحقق رؤية الملك في أن نكون الأعين الصادقة في نقل الحقيقة له.