ما بعد سفينة الحرية

حسين منصور الحرز *

إن قراءة متبصرة للأحداث و طبيعة الصراع و مجرياته في الماضي بين الفرقاء الذين يتحكمون في النزاع بين العالم العربي و الإسلامي من جهة و الإسرائيلين و الغربيين من جهة آخرى يجعلنا نقول بأن النتائج المتوقعة من قضية السفينة التركية مرمرة باتت معروفة سلفاً بل و معروفه النتــائج التي سوف تؤدي لها الضجة الإعلامية المثارة حولها و ما يمكن أن تؤدي إليه.

فبعيداً عن عواطفنا وقلوبنا التي هي مع الشعب الفلســطيني و نضاله يمكننا القول وللأسف الشديد بأن المعول عليه في تغيير الواقع لصالح القضية الفلسطينية ليست الشعوب العربية التي أصبحت لا تمتلك خياراً في تحديد مصيرها فما بالك بمصير الشعوب الآخرى و محاولة تغيير الواقع ، فالشعوب العربية لا حول ولا قوة لها كي تحرك ساكناً أو تغير مجريات الأحداث في قضية عالمية كقضية فلســــطين أو القدس أو غزة والتي هي مرتبطة ببعضها البعض و نجح العدو الإسرائيلي في فصلها عن بقية القضايا الفلسطينية وهو ما يسعى له عبر تحجيم و تصغير مستوى المطالب الحقيقية للشعب الفلسطيني.

إن دخول تركيا في الصراع من أجل القضية الفلسطينية سوف يكون له آثر كبير على مجريات القضية إن أستمر هذا الدور في تصاعده وفي محاكاته لشعور وعواطف أبناء الشعب التركي والشعوب العربية دون أن تعيقه الدوائر الصهيوعربية ممن يحلو لها ايقاف الاتراك عن ممارسة مثل هذا الدور.

فالدور التركي قادم للمنطقة والتوجه نحوها ملحوظ في السنوات العشر الآخيره من الوساطة التركية في المفاوضات بين سوريا وإسرائيل إلى الوساطة في موضوع الملف النـووي الإيـراني مما يجـعـل الأتراك أصحاب مصداقية أكبر وأكثر عبر الدور الحيادي الذي يقارب ويقرب وجهات النــظر بيـن المتصارعين في الشرق الأوسط.
 
نعم قد تكون دوافع تركيا الدينية التي تلامس و تتقاطع في دورها مع أكثر الشعوب الإسلامية التي رأت في اردوغان الرجل الأكثر صراحة وصدقاً في مواقــفه والتي يأبى المــزايدة عليها والتي هـي تحـاكي عواطف وأحساسيس ومشاعر الشعب التركي الذي ينتمي في عقيدته للشرق و ترتبط مصالحه معه ، لذا فإن العلاقة التاريخية بين تركيا وإسرائيل أيضاً والتي كانت ممتمدة إلى عشرات السنوات بدأت في مرحلة العداء وإن قيام إسرائيل بالإعتداء على السفينة التركية قد يكون الإسفين الذي يدق في مسـمـار العلاقة التركية الإسرائيلية و ينقلها إلى مرحلة الخصومة من بعد الصداقة والحميمية التي كانت تحكم تلك العلاقة في كثير من الميادين العسكرية والإقتصادية وغيرها.

إن ما يعول عليه أكثر في هذه القضية هو الموقف التركي وإلى أي درجة يمكن أن يذهب في مرحلة ردة الفعل ولو أنني أعتـقد بأن الدور الأمريـكي سوف يعـمل على تهدئة الأتراك و محاولة احـتـواء الموقف عبر إعطاء الأتراك بعض الإعتبار من دون قيام تل أبيب بأي تقديم لاعتذار وقد يكون عن طريق دفع دية الأتراك الذي شاركوا في عملية سفينة الحرية .

إن أكثر ما يخيـف إسـرائيل هو الراي العـام الغربي والذي لم يصـل إلى مرحـلة قد يــكون مؤثراً في ترجيح الكفة كي يكون مناصراً للقضية الفلسطينية فلم يصل الرأي العام الغربي إلى مثل هذا المستوى نتيجة للإعلام المضاد والموجه والذي يصور العرب كإرهابيين.

فغاية القول أن القضيـة سوف تـراوح مكانها مثلـها مثل بقيـة القضايا السابقة كصبرا وشــاتيـلا وقانا وغيرها من المذابح التي تكررت عبر التاريخ ولم تحرك من الضمير الإنساني لدى القيادات الغربية ولو ذهبت القضية لمجلس الأمن سوف تضيع بالفيتو الأمريكي وفي محكمة العدل بالإعتراض الأمريكي .

شاعر وأديب