القزويني.. مشروع وطني بنّاء

انتهينا في الإطلالة السابقة من الوقوف على بعض الأدوار التوعوية لآية الله السيد مرتضى القزويني منذ نشأته وصعوده المنبر مروراً بهجراته المختلفة وما قام به من توعية وإرشاد وإدارة للعديد من المشاريع الإسلامية في الخليج وبلاد الغرب. واليوم وبعد سقوط طاغية العراق والحاجة لبناء ذلك البلد المنكوب برزت الحاجة لرجال مخلصين يحملون هم وطنهم ويساهمون في بناءه.

فقام القزويني كغيره من الشخصيات العاملة على تأسيس وإنشاء عدد من المؤسسات الخدمية الخيرية التي تعمل بجهود أفرادها على تقديم الخدمات الضرورية لشرائح عديدة من الشعب العراقي، فعمل على تأسيس وإدارة هيئة الإغاثة والتنمية الإنسانية في العراق والتي تشرف على إدارة مجموعة من المشاريع المتميزة التي وقفنا على بعضها قيد البناء والبعض الآخر يباشر أعماله على أرض الواقع. 

الخدمات الصحية:

ففي الجانب الصحي، عمل القزويني من خلال هيئته على تجهيز وبناء وحدة العناية المركزة للأطفال بمستشفى أطفال كربلاء والتي سُلمت بعد الانتهاء منها لدائرة صحة كربلاء لإدارتها وتوفير الكادر الطبي واللوازم والأجهزة الطبية الحديثة من خلال تبرعات قام بجمعها نجله السيد علي في أمريكا وبمشاركة المحسنين.

وبعد الأزمة القلبية التي ألمت بالقزويني لدى عودته للعراق وما وجده من افتقار المستشفى الحكومي في كربلاء للعناية الطبية اللازمة، بدأ بالتحرك لبناء مستشفى الإمام الحجة الخيري للقلب بمدينة كربلاء المقدسة وتوفير رأسمال انطلاقته من خلال بيع منزله في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية التي كان يقطنها لسنوات عديدة في المهجر وبمساعدة الخيرين للمساهمة في إنهاء البناء الذي يتكون من تسعة طوابق لازالت في طور الإنشاء.

وفي الوقت الذي يتصارع فيه الساسة للحصول على أكبر عدد من المقاعد النيابة وانشغالهم بالعملية السياسية المعقدة، لمست الجهات المسئولة من القزويني إيمانه بضرورة المساهمة في بناء وطنه بطريقة مغايرة عما يمكن فعله من خلال الدخول في المعترك السياسي وتضحيته لأجل مشروعه الخيري بالمال والوقت والصحة، مما أعطى ثقة كبيرة وجدية في العمل جعلت من وزارة البلديات تتضامن مع هذا المشروع الإنساني، وتتبرع بالأرض التي يقام عليها المستشفى الآن، وتسهل الإجراءات الإدارية التي تسرع من وتيرة البناء والإنجاز. 

تأهيل الأيتام:

ومع تزايد نسبة الأيتام في العراق جراء العمليات الإرهابية والظلم الذي وقع على الشعب وتفشي البطالة وازدياد الفاقة، كانت الحاجة كبيرة لوجود مؤسسات ترعى الأيتام وتتكفل بشئونهم بطريقة تحفظ لليتيم منزلته كإنسان للوصول به إلى مرحلة النضج والدخول لميادين الحياة المختلفة. وتشير تقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) إلى أن العراق يحتل المرتبة الأولى عربياً من حيث عدد الأيتام، إذ يصل عدد الأيتام إلى 5 ملايين يتيم قابلة للزيادة.  فكانت مدرسة ودار الإمام الصادق لرعاية الأيتام واحدة من المؤسسات التي أخذت على عاتقها تأهيل الأيتام ورعايتهم للانخراط في مجتمعهم وليكونوا بناة للمستقبل بعلمهم وسواعدهم نحو التشييد والإصلاح.

إذ اتخذت المدرسة الطريقة الأكاديمية للتعليم وتقديم الرعاية اللازمة للأيتام بمستوىً راق من التجهيزات المكتبية والتقنيات الحديثة داخل أحد البساتين في مدينة كربلاء، فيفاجأ الزائر من أن هذه المدرسة بطرازها الحديث وبرامجها النوعية الترفيهية، الثقافية، والإنسانية موجودة في بلد عانى من سياسات الحرمان الموجهة خاصة ضد المناطق المقدسة لمحاولة تغييب هويتها الدينية من خلال حرمانها من البنية التحتية المناسبة على مدى ثلاثة عقود سالفة من الزمن. 

إعداد الكفاءات الدينية:

ورغبة منه في تطوير أداء المبلغين الدينيين للتبليغ في البلاد الأجنبية ، قام آية الله السيد مرتضى القزويني بتأسيس حوزة دينية بهدف مختلف نوعاً ما عن أهداف الحوزات الدينية أطلق عليها جامعة الإمام الصادق الدينية وسط المدينة المقدسة.

وتسعى الجامعة -التي لازالت قيد التوسع- في أحد أهدافها إلى الاهتمام بالطلاب القادمين من الغرب والبلاد الأوروبية إضافة لإتاحة المجال للطلبة المحليين ، إذ يدرس الطالب دراسة دينية ممنهجة ومكثفة لمدة عامين يتخرج من بعدها كمبلغ إسلامي يتقن أساسيات التبليغ وموضوعاته ليقدم صورة حضارية ومشرقة عن الإسلام ومذهب أهل البيت للجاليات الإسلامية والمجتمع الغربي الذي بدأ يتفهم هذا المنهج المتسامح مع الأديان والمذاهب المختلفة.

لقد كانت حركة آية الله القزويني الوطنية ودوره التوعوي المؤثر على الشعب العراقي محط أنظار القوى التكفيرية وتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، فكانت هناك عدة محاولات لاغتياله والاعتداء عليه، فحصل ذات مرة إطلاق النار عليه لدى خروجه من إمامة الناس ودرس الإرشاد في حرم الإمام الحسين أُصيب على إثرها في يده مع بعض الإصابات المتفرقة. كما أُدرج اسم القزويني ضمن قائمة المستهدفين من قبل الزرقاوي وفقاً لما أفاده بذلك رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، وفي هذا دلالة على تأثير الشخصية وتأثر شرائح واسعة من المجتمع بها تُخيف دعاة التفريق وقتل الأبرياء لما لها من أثر في فضح مخططاتهم الفتنوية بين أبناء الشعب الواحد وإذكاء الفتنة بين الشيعة والسنة.

ولو وقفنا بعد سنوات على مخرجات مشاريع السيد القزويني التي تنضوي تحت مظلة هيئة الإغاثة والتنمية الإنسانية، فإنه يُتنبأ لها أن تقدم معطيات متميزة في محيطها على أقل تقدير وتقدم حافزاً لمؤسسات المجتمع المدني الأخرى بالدخول في منافسات تصب لصالح تطوير العمل الاجتماعي والخيري وتقديم أفضل الخدمات وعلى أرقى المستويات والتقنيات.

وكما أوضحنا في وقفتنا الأولى بأننا إذ نعرض هذه الإنجازات لنعطي بها وقوداً للمعاصرين والأجيال القادمة للعمل والتغيير في أوطانهم وخارجها مع ما بين ظهرانيهم من مشاريع متميزة قائمة مستلهمين الفكرة والدافع والتحمل من مختلف التجارب ومبتعدين قدر الإمكان عن شخوصها وجنسياتها، إذ ما يهمنا قراءة التجارب وتحليل مراحل العمل التي نشطت فيها.

مصادر بعض المعلومات: جولة ميدانية على بعض المشاريع كنا فيها برفقة السيد القزويني، لقاء للسيد القزويني مع صحيفة الوسط البحرينية بتاريخ 19 فبراير 2010، تقرير متلفز على قناة المهدي الفضائية منتصف 2009م - تقرير لقناة الكوثر الفضائية منشور على الموقع الإلكتروني بتاريخ 31/05/2008م