أترك أثرا ً قبل الغياب والرحيل «6»

المحور الثالث: السجايا الخُلقية للمرء:

سابعا ً: إجتناب الكذب.

وهو: مخالفة القول للواقع، ويعتبر من أبشع العيوب، ومفتاح كل شر وأثم، لذلك حرمته الشريعة الإسلامية، ونعت على المتصفين به، وتوعدتهم، قال تعالى «وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ» «الحج - آية 30»، وقال تعالى «إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ» «غافر - آية 28»، وقال تعالى: «وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ» «الجاثية - آية 7» وقال تعالى: «إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ» «النحل - آية 105».

وعن رسول الله : «إياكم والكذب، فإن الكذب مجانب للإيمان «1»، وعن علي : «شر القول الكذب» «2»، وعن علياً : فرض الله الإيمان تطهيراً من الشرك... وترك الكذب تشريفاً للصدق» «3»، عن السجاد : «كان يقول لولده: أتقوا الكذب، الصغير منه والكبير، في كل جد وهزل، فإن الرجل اذا كذب في الصغير، اجترأ على الكبير، أما علمتم أن رسول الله قال: ما يزال العبد يصدق حتى يكتبه الله صديقاً، وما يزال العبد يكذب حتى يكتبه الله كذاباً» «4».

آثار الكذب على الفرد والمجتمع:

1 - الحرمان من لذة العبادة وإفساد الإيمان، عن علي : «لا يجد عبد طعم الإيمان حتى يترك الكذب هزله وجده» «5»، وقال الباقر : «أن الكذب هو خراب الايمان» «6».

2 - باب النفاق، عن رسول الله «إن الكذب باب من أبواب النفاق» «7».

3 - دليل على سوء الخُلق وشر النفس، عن علي الكذب أدنى الأخلاق «8» - وعنه: «الكذب شين الأخلاق» «9»، وعنه «شر الخلائق الكذب» «10»

4 - مدعاة للفجور والنار، عن رسول الله «وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار» «11».

5 - نفرة الناس، عن علي «الكاذب مهان ذليل» «12».

6 - يورث الفقر، عن علي : «إعتياد الكذب يورث الفقر» «13».

7 - يذهب بالهباء، عن النبي محمد : «كثرة الكذب تذهب بالبهاء» «14»

8 - مفتاح الشر، عن الباقر : «إن الله جعل للشر أقفالاً، وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب، والكذب شر من الشراب» «15».

9 - باعث على سوء السمعة، وسقوطه من أعين الناس، فلا يصدق الكذاب ونطق بالصدق، ولا تقبل شهادته، ولا يوثق بوعوده وعهوده.

10 - إنعدام ثقة الناس بعضهم ببعض، إذ يشيع فيهم أحاسيس التوجس والتناكر.

11 - يورث الأحقاد والضغائن.

أقسام الكذب: للكذب صور شوهاء، تتفاوت بشاعتها بإختلاف أضرارها وآثارها السيئة، وهي:

الأولى: الكذب على الله عزوجل وأوليائه

وهي من أبشع صور الكذب، وأشدها خطراً واثماً، فإنها جناية مزدوجة وجرأة صارخة على المولى عزوجل، وجريمة نكراء تمحق الحقوق وتهدر الكرامات، من أجل ذلك جاءت النصوص في ذمها والتحذير منها، قال تعالى «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ» «الأنعام - آية 21».

وقال رسول الله في حجة الوداع: «قد كثرت علي الكذابة وستكثر، فمن كذب علي متعمداً، فليتبوأ مقعده من النار، فإذا أتاكم الحديث فأعرضوه على كتاب الله وسنتي، فما وافق كتاب الله فخذوا به، وما خالف كتاب الله وسنتي فلا تأخذوا به» «16».

الثانية: اليمين الكاذبة وشهادة الزور.

وهي جريمة خطيرة، الحلف كذباً وبهتاناً، كما شهادة الزور جريمة نكراء تمحق الحقوق وتهدر الكرامات وظلم سافر هدام، تبعث على غمط الحقوق، وإستلاب الأموال، وإشاعة الفوضى في المجتمع، أنظر كيف تنذر النصوص باليمين الكاذبة وشهود الزور بالعقاب الأليم، قال رسول الله : «إياكم واليمين الفاجرة، فإنها تدع الديار من أهلها بلاقع» «17»، قال رسول الله : «لا ينقضي كلام شاهد الزور من بين يدي الحاكم حتى يتبوأ مقعده من النار، وكذلك من كتم الشهادة» «18».

الثالثة: خلف الوعد

الوفاء بالوعد من الخلال الكريمة التي يزدان بها العقلاء، ويتحلى بها النبلاء، وقد نوه الله عنها في كتابه الكريم فقال: «وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا» «مريم - آية 54».

ويروى أن إسماعيل وعد رجلا ً، فمكث في إنتظاره سنة كاملة، في مكان لا يبارحه، وفاءاً بوعده، فعن أبي الحسن الرضا قال: أتدري لم سمي إسماعيل صادق الوعد؟ قلت: لا أدري، قال: وعد رجلاً فجلس له حولا ًينتظره» «19».

ويحكى: «أن رسول الله وعد رجلاً الى صخرة فقال: أنا لك هاهنا حتى تأتي. قال: فاشتدت الشمس عليه، فقال اصحابه: يا رسول الله لو انك تحولت الى الظل، فقال: قد وعدته الى هاهنا: وإن لم يجيء كان منه الى المحشر» «20».

الرابعة: الإدعاء الباطل

فقد يستحلي البعض تلفيق الإدعاءات الباطله على المؤمنين والمؤمنات بدون بينه يقينية، لتسقيطهم وإستحقارهم، قال الصادق : «من روى على مؤمن رواية، يريد بها شينه، وهدم مروته ليسقط من أعين الناس، أخرجه الله تعالى من ولايته إلى ولاية الشيطان، فلا يقبله الشيطان» «21».

مسوغات الكذب:

لا شك أن الكذب رذيلة مقيتة حرمها الشرع، لمساوئها الجمة، بيد أن هناك ظروف طارئة تبيح الكذب وتسوغه، وذلك فيما إذا توقفت عليه مصلحة هامة، لا تتحقق الا به، فقد أجازته الشريعة الاسلامية حينذاك، كإنقاذ المسلم، أو صيانة عرضه وكرامته، أو حفظ ماله المحترم، فإن الكذب والحالة هذه واجب إسلامي محتم، وهكذا إذا كان الكذب وسيلة لتحقيق غاية راجحة، وهدف إصلاحي، فانه آنذاك راجح ومباح، كالإصلاح بين الناس، أو إسترضاء الزوجة وإستمالتها أو مخادعة الأعداء في الحروب.

قال الصادق : «كل كذب مسؤول عنه صاحبه يوماً إلا في ثلاثة: رجل كايد في حربه فهو موضوع عنه، او رجل اصلح بين اثنين يلقى هذا بغير ما يلقى هذا يريد بذلك الاصلاح فيما بينما، او رجل وعد اهله شيئا وهو لا يريد ان يتم لهم» «22».

(١) كنز العمال / ٨٢٠٦.
(٢) نهج البلاغة خطبة ٨٤.
(٣) نهج البلاغة - الحكمة ٤٥٨ و ٢٥٢ - الخطبة ١٦
(٤) البحار /٢/٢٣٥/٧٢.
(٥) البحار /١٤/٢٤٩/٧٢.
(٦) البحار ٧٢ / ٢٤٧ / ٨ - ص ٢٥٩ / ٢٢.
(٧) نهج البلاغة - الخطبة ١٩٢.
(٨) ، (٩) ، (١٠) غرر الحكم: ٢٨٧٦، ٢٨٥٥، ٥٦٨٩
(١١) كنز العمال: ٨٢١٧.
(١٢) غرر الحكم: ٣٣٩، ١٢٤٧.
(١٣) ، (١٤) البحار ٧٢ / ٢٤٧ / ٨ ، ص ٢٥٩ / ٢٢.
(١٥) البحار /٣/٢٣٦/٧٢.
(١٦) بحار الأنوار - ج ٢ ، ص ٢٢٥.
(١٧) ، (١٨) الكافي ج ٧ ، ص ٤٣٦ ، ص ٣٨٣.
(١٩) عيون أخبار الرضا : ٢ / ٧٩ ح ٩.
(٢٠) علل الشرائع ٧٨ ح ٤ .
(٢١) الكافي ج ٢ - ص ٣٥٨.
(٢٢) الكافي ١٨/٣٤٢/٢