هل تُسبب الأجهزة الإلكترونية العزلة والانطواء؟

باتت التقنية الحديثة من الأمور الروتينية في الزمن المعاصر، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية للكثير من الناس، وخصوصاً الأجيال الجديدة، وأخذت تتحكم في نمط وأسلوب حياتهم، وفي سلوكياتهم اليومية. فالأجيال الجديدة فتحت أعينها على عالم يضج بمختلف أنواع الأجهزة الإلكترونية، ومن الصعوبة لهم الانفصال عنها في كل تفصيل من تفاصيل حياتهم. غير أن المشكلة تكمن في قضاء الساعات الطوال أمام هذه الأجهزة بشكل مفتوح وغير منظم، ومن دون مردود إيجابي، وبشكل يتعارض مع القيم والتوجيهات الدينية التي تحث على الاهتمام بالوقت وتنظيمه واستثماره.

فالإنسان يُسأل يوم القيامة ”عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه“. فالنصوص الدينية تؤكد على ضرورة أن تكون للوقت قيمته في حياة الإنسان، فلا يتكاسل عن أداء واجباته، ولا أن يُضيِّع وقته في اللهو والعبث، أو يجلس من دون عمل كطاقة معطلة عن الإنتاج. لأن تضييع الأوقات بهذه الطريقة السلبية، وإهدارها في أعمال غير مفيدة، وسلوكيات قاتلة للوقت، تُبعد الفرد عن أداء مهامه وواجباته اليومية، وربما تضطره إلى الانكفاء على الذات والعزلة عن الآخرين، مما يتسبب في إضعاف علاقاته الأسرية والاجتماعية، وإضعاف الروابط بين أفراد الأسرة الواحدة داخل المنزل، مما يؤدي إلى فقدان الدفء والحنان الأسري.

هناك من يقر بأنه مدمن على استخدام الأجهزة الإلكتروني الحديثة طوال الوقت، وأنه يبقى على تواصل مع مواقع التواصل الإلكتروني طوال الفترة التي يكون فيها مستيقظاً، وأن تصفح الهاتف آخر عمل يقوم به قبل النوم، وأول نشاط له عند الاستيقاظ، وهو الأمر الذي يؤثر في طبيعة حياته وتواصله مع المحيطين به من أهل وأصدقاء، ممن يجلس معهم سوياً وكل منهم مشغول بهاتفه.

لقد كان لهذا التقدم التكنلوجي تبعاته على حياة الإنسان وعلاقاته، وأثَّرت في تواصله المباشر مع المحيطين والعلاقة معهم. وإذا كان البعض من الأجيال الأكبر سناً يحرص على أنماط التلاقي والتواصل التي كانت سائدة زمن الآباء والأجداد، إلا أن أبناء الجيل الجديد ينظرون إلى مثل هذه التحولات في أنماط التواصل على أنها أمر الطبيعي، فالزمن هو زمن السرعة، والتكنولوجيا اليوم هي لغة العصر السائدة، وأصبحت أسلوب حياة، فضلاً عن أنها اخترعت أساساً لتسهيل حياة الناس ومعاملاتهم.

فإذا كانت التكنولوجيا الغت المسافات بين الناس المتواجدين على مساحة هذه المعمورة، وسهلت عملية التواصل بين الأهل والأصدقاء المتوزعين على مختلف قارات العالم، إلا أنها على ما يبدو أبعدت الأقربين. فالتواصل الواقعي بين الناس أصبح يضعف، حتى وإن كانوا في جلسة واحدة، أو في منزل واحد. فالبعض وجد متعته على مواقع التواصل الاجتماعي، مُكوِّناً لنفسه عالمه الخاص، ومرتبطاً بمجموعة من الأصدقاء الافتراضيين للتسلية وتبادل الأحاديث معهم معظم الوقت.

خلاصة القول إن قضاء الساعات الطوال، ومعظم أوقات اليقظة، أمام شاشات التلفاز، وصرف ساعات الحياة الثمينة بالتبلد أمامها، أو أمام شاشات الأجهزة الإلكترونية، أو التسمر أمام شاشات الحواسيب، والهواتف الذكية، هو استنزاف للعمر، وسني الحياة، من دون مردود إيجابي، وسوف يؤدي إلى الانفرادية والانعزالية داخل الأسرة، ويتسبب في إضعاف العلاقات الأسرية، وربما تنال من روابط القربة والألفة بين أفراد الأسرة الواحدة، خصوصاً مع امتلاك كل فرد من أفراد الأسرة أجهزته الخاصة به داخل غرفته، ومن دون أن يستخدمها، أو يشاركه فيها، أحد غيره، وهو، كما سبقت الإشارة، يتسبب في نمو ظاهرة التباعد بين أفراد الأسرة، ويفقد روح التواصل والترابط بينها.