لئن أكُ أسودا فالمسك لوني

لا شيء أرقى وأجمل من الاستشهاد بالأبيات المشهورة لشاعر ما قبل الإسلام وأحد أشهر فرسان العرب عنترة بن شداد وهي..

لئن أكُ أسوداً فالمسكُ لوني ​ومَا لِسوادِ جِلدي منْ دواء

وَلَكِنْ تَبْعُدُ الفَحْشاءُ عَني ​كَبُعْدِ الأَرْضِ عَنْ جوِّ السَّماء

فلم يختر أحد أن يولد «أسود أو أبيض» أو من هذه العائلة أو القبيلة أو تلك، من اللا منطقي أن نحكم على إنسان ونعامله على أساس شيء لا تحكم له فيه. تحدثني صديقة إن لديها مدبرتي منزل، واحدة من الجنسية الآسيوية وأخرى أفريقية وكيف أن زوجها المتعلم يعامل الأولى بلطف شديد بينما يعامل الأخيرة بقسوة واحتقار بالرغم من جودة عمل الاثنتين وذلك فقط لأنها داكنة البشرة!

تتخذ العنصرية أشكالا وأنواعا مختلفة وتختبئ حتى في أكبر العقول وأكثرها ثقافة وتتوارى خلف الكثير من الشخصيات والوجوه والتي يكون بعضها معروفا محليا أو عالميا.

وقد كشفت لنا الكثير من الأحداث العنصرية المترسخة في بعض البلدان الأجنبية مثلا، والتي كنا نعتقد أنها الرائدة في حقوق الإنسان لهجومها المستمر على البلدان الأخرى، وخصوصا العربية واتهامها لهم بالعنصرية ضد شخص أو فئة من مواطنيهم ومطالباتها الشرسة بالعدل لذلك الشخص أو تلك الفئة، متجاهلة عمدا العنصرية القائمة ضد مواطنيها والتي تصل في خطورتها لحد القتل. قصة المواطن الأمريكي من أصول أفريقية جورج فلويد والكثير من القصص المشابهة التي سبقته أكبر شاهد على ذلك.

لقد تربينا وأشبعت مناهجنا التعليمية بالكثير من الأحاديث للنبي محمد صلى الله عليه وسلم المناهضة للعنصرية، كحديث لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى. وقد أحببنا منذ الطفولة الصحابي، مؤذن رسول الله ذا البشرة الداكنة بلال بن رباح الذي أسلم وصبر على التعذيب ليترك الإسلام لكنه أبى ثم أعتقه أبو بكر الصديق رضي الله عنهما.

هذا لا يعني إنكار أن لدينا بعض أوجه العنصرية والقبلية والمناطقية والعرقية والدينية والعقائدية وغيرها، لكني أشير للمثل القائل رمتني بدائها وانسلت. نحن وإن كان لدينا بعض مما ذكرت لكننا بإذن الله على الطريق الصحيح لإصلاح أمورنا والنهوض بقوه أكبر وبتلاحم أكثر، لكن ماذا فعلت تلك البلدان للسيطرة والقضاء على العنصرية المتفشية فيها منذ زمن غير الهجوم على الدول والبلدان الأخرى؟

يقال إذا كان بيتك من زجاج فلا ترمِ الناس بالحجارة، وقد رمت تلك الدول الكثير من الحجارة على أوطاننا بدءا بحقوق المرأة المسلمة، وحقوق المراهقات، وحقوق النشطاء السياسيين والحقوقيين والاجتماعيين والصحفيين، وانتهاء بحقوق الحيوان وربما مستقبلا النبات والجماد وغيره، حتى بدأنا نشعر أن لا شيء ولا أحد أبدا يتمتع بأي حقوق في أي دولة عربية. وقد تمادى بعضها للقيام بما هو أكثر من مجرد رمينا بالاتهامات وتضليل الرأي العام وتأليبه ضدنا، بل تجرأت على العبث بعقول بعض المواطنين وتشجيعهم على الانقلاب ضد أوطانهم، وتحريض المراهقات على الهرب من أهاليهن واستقبالهن واستخدامهن كأدوات لتشويه سمعة أوطانهن.

تكثر مشاكل العنصرية، الفقر، البطالة، التحرش والشذوذ الجنسي والفساد في البلدان الأجنبية وينتشر الفقراء والمعدمون في شوارعها، وبالرغم من ذلك تبذل تلك الدول الكثير من الجهد، الوقت والمال لتشويه سمعة البلدان الأخرى وتسليط الضوء على مشاكل تعتبر بسيطة مقارنة بما لديها. لو تلتزم تلك الدول بمحاولة إيجاد حلول لمشاكلها والتوقف عن التدخل في شؤون الدول الأخرى لعم السلام في العالم.

كاتبة صحفية