كيف ستكون المملكة بعد كورونا؟

يبدو أن الحياة بأكملها قد توقفت عند عتبة كورونا، والأمر كذلك للكتابة، فقد توحدت كل الأفكار واختزلت كل المواضيع في هذه الجائحة البغيضة التي سببها هذا الفيروس التاجي المتناهي الصغر والذي لا يُرى بالعين المجردة ولكنه بطل هذا المسلسل الحزين والطويل الذي يُشاهده أكثر من سبعة مليارات ونصف المليار، هم تعداد العالم، كل العالم، بمعدل مشاهدة استثنائي ليس له مثيل على الإطلاق.

هذا هو الجزء الثاني من سلسلة تتكون من أربعة مقالات تُناقش وتُلامس الأفكار والثقافات والعادات والسلوكيات التي آن لها تتغير أو تُصاغ من جديد لتُناسب وتُناغم الواقع الجديد الذي سيتشكل حتماً بعد وباء كورونا الذي غيّر وجه العالم، كل العالم. في المقال السابق، وهو الأول، كتبت عن ”المشهد العالمي الجديد“ الذي سيكون عليه العالم بعد هذا المنعطف التاريخي العظيم والذي سيؤسس لمصطلح ”ما قبل وبعد كورونا“.

هذا المقال سيتحدث عن الواقع الوطني الذي سيتشكل بعد جائحة كورونا، وكيف ستكون صورة السعودية الجديدة. لا شك أن وطننا الرائع بقيادته الرشيدة وشعبه النبيل، سيكون أكثر صلابة وتجربة بعد القضاء على هذا الوباء، ولن تكون هذه الأزمة الكارثية مجرد ذكرى مؤلمة فحسب، ولكنها حتماً ستتصدر قائمة أخطر الأزمات الوطنية، بل والعالمية، ولكنها ستُشكل ثقافة جديدة ورؤية مختلفة لمسيرة هذا الوطن المتجدد أصلاً والذي صنع تحولاً وطنياً ضخماً ليمهد لرؤية/ قفزة سعودية واسعة باتجاه وضع هذه المملكة العريقة في صدارة العالم.

قائمة طويلة من الأفكار والقرارات والاستراتيجيات التي ستشكل مداميك المرحلة القادمة، سأضع بعضاً منها في عجالة واختصار:

من أهم ملامح ذلك الواقع الوطني الجديد الذي يُفترض أن يُرسم بعد جائحة كورونا هو إجراء عملية تحديث وبرمجة عصرية للكثير من الخطط والتحولات والاستراتيجيات الوطنية الكبرى والتي تهدف في مجملها الوصول إلى ”حالة الاكتفاء الذاتي“ في أغلب المنتجات والسلع والأجهزة والمهن والحرف. كذلك مواصلة وتعزيز المشروع الوطني الكبير لمكافحة الفساد الإداري والمالي وضبط وتوجيه الإنفاقات والمصروفات لتكون باتجاه التنمية المستدامة الحقيقية وهو بالفعل ما تقوم به الوزارات والجهات المعنية بكل ذلك. أيضاً، لابد من تطوير التعليم العام والجامعي والتدريب المهني والتقني، لأن هذه المخرجات التنموية الفاعلة هي من ستصنع المستقبل الواعد لهذا الوطن. كذلك، بات من الضروري أن يتم إحلال حقيقي وواقعي للكثير من المهن والحرف والوظائف للشباب السعودي وللأسر السعودية للوصول إلى معدلات منخفضة للبطالة من جهة، وزيادة لمعدلات النمو الاقتصادي للمجتمع السعودي. القطاع الاقتصادي الذي يُعدّ أحد أضخم وأهم القطاعات الوطنية، بحاجة لإعادة هيكلة وغربلة، وإلى المزيد من منظومات التنوع والتحرر التي تطال الكثير من تفاصيله الصغيرة والكبيرة، ولعل أهمها توطين الكثير من الأعمال والتجارة الصغيرة التي تُدار من المنازل لإنعاش وتمكين المرأة والأسر، كذلك بات من الضروري تنفيذ القرار الرائع بإغلاق الأسواق والمحلات التجارية عند الساعة التاسعة مساءً لما لهذا الإجراء من نتائج جيدة على المنظومة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. كذلك، وبعد هذه التجربة المريرة مع وباء كورونا، لابد من إعادة النظر في قرار التخصيص الذي سيطال العديد من القطاعات والمجالات، فبعد كل القرارات والإجراءات الحكومية الكريمة والرحيمة التي خففت على المواطنين والمقيمين وطأة وتكلفة هذا الوباء البغيض، قطاعات كالصحة والتعليم والتجارة والثقافة والتنمية الاجتماعية أصبحت قطعاً لا تُمس وليتها تبقى بيد هذه الدولة الكريمة التي أصبحت مضرب مثل في احتضانها لشعبها.

هذا ما أمكن رصده من بعض الأفكار والاستراتيجيات التي آن لها أن تتغير أو تُصاغ من جديد في هذا الوطن العزيز، والمقال القادم سيُلامس الصعيد/ الواقع المجتمعي.

كاتب مهتم بالشأن السياسي والاجتماعي والوطني