الكلمة سلاح ذو حدين

للكلمة تأثيرها في حياة الفرد، إذ يمكن لها أن تكون مُحبِطة له ومثبِّطة لعزائمه، كما يمكن أن تكون مُلهمة له ومُحفزة إياه على الانطلاق والسير في الآفاق. والكلمة، سواء كانت سلبة أو إيجابية، تغير حياة الفرد، وتنقله من حال إلى حال. بمعنى أن مصير الإنسان في هذه الحياة يتأثر بالكلمات التي يسمعها، أو تقال له، أو تلك التي يقرئها.

وعليه فإن للكلمة المنطوقة، أو المكتوبة، تأثيرها فيما يدور ويحدث في هذا العالم، خصوصاً حين يكون قائلها أو كاتبها متمكن من أدواته، وصاحب خلفية ثقافية ناضجة. إذ أن من شأن كلماته الصادقة والطيبة أن تترك أثرها الساحر والجميل في قلوب وعقول من حوله.

وليس هذا فحسب، بل يمكن حتى لكلماته البسيطة والعفوية، والتي يقولها في تخاطبه اليومي، وفي أحاديثه مع من حوله، أن تتحول إلى معاني ودلالات ذات قيمة مؤثرة، تترك أثرها في النفس، ويتفاعل معها المتلقي، وتسهم في توجيهه وإرشاده، وترفع من مستوى وعيه.

وعلى هذا الأساس فإن تأثير الكلمة، سلباً أو إيجاباً، يعتمد بالطبع على قائلها أو حاملها، خصوصاً إذا كان صاحب رسالة، وذو كلمة طيبة صادقة، وله كاريزما شخصية مؤثرة. فالكلام الطيب ليس مجرد ألفاظ تجري على اللسان، ولكنه خلفية ثقافية، وبناء عقائدي في الآداب والأخلاق والسلوك. إذ لا يكفي أن يكون صاحب الرسالة ذو ثقافة رفيعة وعقل ناضج، من دون أن يتصف بالخلق الرفيع والسلوك المتزن.

أما حين يخون القائل رسالته، من خلال خُلقه السيء، وغلظة قلبه، وانفعالاته، وفظاظة لسانه، فإن الناس ينبذونه، ولا ينجذبون إليه، بل يهربون منه، وينفضون من حوله.

والكلمة الصادقة النزيهة المتزنة والمؤثرة، التي تريح النفس، وتدخل القلب، وتفتح العقل، ليست تلك التي تقال وتحكى فقط، بل هي أيضاً تلك التي تكتب، وتدون على الورق، أو على صفحات العالم الافتراضي. فالكلمة سلاح ذو حدين، حيث يمكن أن تكون طيبة حانية وخيرة، تخرج من القلب وتعتلج في النفس والروح، وتفرج الأسارير، وتعيد البسمة إلى الشفتين، كما يمكن أن تكون غير ذلك، سيئة وشريرة، تثير الغرائز والأحقاد.

لذلك فإن على أصحاب الخطابات المختلفة استغلال ما حباهم الله به من قدرات ومهارات لغوية في نشر الخير، خير الإنسان وصلاحه، وعليهم التدقيق فيما يقولونه ويكتبونه، وتشذيبه بعناية، والحذر من زلات اللسان والقلم، ومن الوقوع في المحاذير الشريرة، والتي تكون عواقبها وخيمة، خصوصاً مع هذا الانفتاح الإعلامي الجديد، وتعدد وسائل الاتصال والتواصل بين بني البشر، وسهولة اغتناء واستخدام الأجهزة التقنية الحديثة.

وحين يكون للكلمات التي يُنطق بها، أو تقال، أو تكتب، هذا القدر الكبير من التأثير في حياة الناس ومصيرهم، فإنه لمن الجدير بنا الحرص على حسن صياغة كلماتنا، والدقة في استعمالها عند التحدث والنقاش والكتابة. فالكلمة، كما أشرنا، سلاح ذو حدين، إذ يمكن أن تكون رسول سلام، رقيقة حانية صادقة ومطمئنة. كما يمكن أن تكون كالسيف القاطع، حادة قاسية جارحة مسمومة ومميتة. فالذي يتحدث وهو غاضب قد لا يستطيع السيطرة على كلماته التي يتفوه بها، فتأتي كلماته منفلتة من عقالها جارحة للمشاعر، تتسبب في إثارة المشكلات، وتفسد علاقات الناس ببعضهم البعض.

أما الكلمات الرقيقة الحانية الصادقة الطيبة فلها سحرها المؤثر في الذات الإنسانية، خصوصاً حين تحترم هذه الذات، وتراعى مشاعرها، وتحفظ كرامتها. فالإنسان الذي يتلقى التقدير من الآخرين، أو التحفيز المناسب، ويوجه له الشكر والثناء، تراه يعطي أكثر، ويبدل جهداً مضاعفاً، من دون أي حدود. لذلك من المهم الاهتمام بالكلمة ورفع مكانتها، وتعلم اسرارها، والاستفادة منها في حياتنا، وتطوير دورها، من أجل أن نحيا حياة طيبة، ونعيش في ود ووئام وسلام.